إصلاح سیاسي ذو معنی

الهدف الأساسي للاصلاح السیاسي هو الوصول لحكومة نیابیة. وهذا یعني أن یكلَّف رئیس أكبر كتلة برلمانیة بتشكیل الحكومة. وفي ظل عدم تحقق هذا الهدف منذ 1989 وحتى الآن، یُصبح السؤال المنطقي هو لماذا لم یتم إنجاز تحول دیمقراطي یُفضي لحكومة برلمانیة منذ ذلك الوقت؟

وما هي النتائج المترتبة على ذلك في العلاقة بین المواطنین والدولة؟

لم تخل الخطابات السیاسیة منذ العام 2000 والأوراق النقاشیة منذ 2012 لجلالة الملك من الإشارة إلى أن الهدف النهائي للاصلاح السیاسي هو الوصول لحكومات برلمانیة مبنیة على أحزاب سیاسیة تتنافس بانتخابات عامة حرة ونزیهة ودوریة تفضي لتداول السلطة بقرار صنادیق الاقتراع.

الرأي العام الأردني لدیه موقف إیجابي تجاه الدیمقراطیة عموماً ولكن ثقافة الدیمقراطیة السیاسیة بحاجة لتجذیر من خلال عمل المؤسسات. إذ خلصت دراسة نفذتها نماء للاستشارات الاستراتیجیة على عینة ممثلة لمناطق الأردن كافة من 3020 مستجیبا إلى أن 84 % من الأردنیین یقولون إنه من المهم لهم (64 % مهم جداً، و 20 % مهم) أن یعیشو في بلد محكوم بطریقة دیمقراطیة.

ویقیّم الأردنیون مستوى الدیمقراطیة بالأردن 62.5 من 10 .بینما یقیمونها 5.7 في كل من الولایات المتحدة وتركیا. وتختلف تقییمات الأردنیین لمدى تقدم الدیمقراطیة في البلد. إذ یعتقد 12 % أنها تتطور بشكل سریع، 52 % تتطور بشكل بطيء، 19 % راكدة ولا تتطور، و16% یعتقدون بأنها تتراجع.

في ظل هذه المعلومات یرى ثلاثة أرباع الأردنیین أن البلد محكوم لمصلحة الأقلیة، بینما یعتقد نحو الربع أنه محكوم لمصلحة الأغلبیة. ویعتقد فقط 22 % ممن تقع أعمارهم بین 25-34 عاما أنه محكوم لمصلحة الأغلبیة وهي النسبة الأدنى بین جمیع الفئات العمریة، فیما یرى 77% منهم أن البلد محكوم لمصلحة الأقلیة وهي الأعلى بین جمیع الفئات العمریة. ولا یختلف هذا لموقف بین الذین تجاوزت أعمارهم 65 سنة من حیث النوع وإن اختلف بالدرجة، إذ یعتقد 37% منهم أن البلد تُدار لمصلحة الأكثریة مقارنة بنحو 60 % أنها تُدار لمصلحة الأقلیة. كما أن نسبة الذین یعتقدون بأن البلد تُدار لمصلحة الأقلیة ترتفع كلما ارتفع مستوى التعلیم. وسكان المحافظات هم الأقل اعتقادا بأن الأردن یدار لمصلحة الأكثریة من الأردنیین، فمحافظات معان والكرك والطفیلة ومادبا وعجلون وإربد والبلقاء كانت أقل من المعدل الوطني العام (27%) بینما عمان والزرقاء والعقبة والمفرق وجرش أعلى من المعدل الوطني.

في ظل هذه الحقائق، تقوم الدولة ببعض المبادرات البنّاءة بشأن الحوكمة ولكنها لا تكفي لتحقیق الرؤیة الملكیة. ما تعكف على عمله وزارة الشؤون السیاسیة والبرلمانیة من تطویر لنظام تمویل الأحزاب هو خطوة جیدة بالاتجاه الصحیح ولكن الوصول للحكومة البرلمانیة یتطلب حزمة كبیرة من التشریعات وعلى رأسها تعدیل المادة 35 من الدستور التي تنص على ”الملك یعین رئیس الوزراء ویقیله ویقبل استقالته ویعین الوزراء ویقیلهم ویقبل استقالتهم بناء على تنسیب رئیس الوزراء“ لتنص على أن یُكلّف جلالة الملك رئیس أكبر كتلة نیابیة تألیف الوزارة. وهذا ما یُترجم رؤیة جلالة الملك على أرض الواقع ویحفّز العمل السیاسي المنظم وخلق أحزاب وتیارات جدیة تقوم على برامج واقعیة وسیاسات منطقیة تستجیب لاحتیاجات وأولویات الأردنیین.

الغد