حيوية التاريخ..

د.محمد يونس العبادي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/04 الساعة 01:51
في الدول الحية.. لا بد من مراجعة تاريخيّة في كل مرحلة، ليس للعبر فقط ولكن، للمعرفة واستخلاص الدروس، وهذا أمر ممؤسس ومعتاد في عدد من الدول.

مثلا في الجيش الاميركي فإن وظيفة المؤرخين العسكريين هي جمع الوثائق لكل أزمة وتبويبها، ودراستها والوقوف على مكامن النجاح والفشل.

وعند إعداد هذه التقارير، والدراسات فإنها تستدعى وتحال إلى لجنة الأزمات في حال تجددت.. وتوضع خلفياتها امام صاحب القرار، ليكون قادرا على إصدار ما يتعلق بها، وهذا ما جرى عند التعاطي الاميركي مع أزمات وعلاقات واشنطن بأفغانستان، وإيران وغيرها.

وقبل سنوات شكلت جامعة أكسفورد لجنة لمراجعة التاريخ الإنساني والوقوف على أهم الظواهر التي غيرت في توجهات البشرية، وعكفت اللجنة على مراجعات عدة انتهت إلى أن أهم اختراع كان نظام الصرف الصحي في القرن التاسع عشر وهو ما زاد عدد سكان أوروبا في القرن العشرين بشكل غير مسبوق في القرن الذي يليه، لان الصرف الصحي قضى على أمراض انتشرت لسنين.

هكذا يبقى التاريخ حيويا، ومادة ومعلومات، ولا يبقى يدور في سياق الوجدان ويتم التعامل معه كقصص ووجدانيات، كثيرا ما تكون عبئا على أصحابها أو العكس!.

واليوم، نحن بحاجة إلى مدرسة جديدة تؤرخ للتجارب التي مرت بها بلادنا، وحتى منطقتنا، وبما يجمع بين تاريخ تطور الإنسان على الارض، وتطور الحياة على الأرض، وهو أمر ظاهر في بلادنا من حيث نشأة وتطور مدننا وقرانا.

فقرار "مجانية التعليم" الاساسي وإلزاميته، المتخذ عام 1952م، غير من ملامح الحياة في بلادنا، وهو قرار اتخذ في وقت كان فيه عدد سكان الأردن نحو 590 ألفا، حيث أجري أول إحصاء سكاني في ذات السنة.

وكان التوسع في البلديات في عقود الستينات والسبعينات مع إنشاء جامعتي الأردنية واليرموك ظواهر فتحت باب تنمية في الريف الأردني ونقلته إلى مرحلة تنموية أسهمت في تغيير أسلوب حياة الأردنيين، واعتمادهم على مصادر رزق أخرى.

لدينا أيضا، القطاع الصحي وهو مادة زخمة لدراسة التاريخ الأردني وانعكاس نشأة المراكز الصحية والمستشفيات على معدل الأعمار، فمتوسط العمر اليوم بحسب الإحصاءات يبلغ نحو 75 عاما، وهو متباين من محافظة لأخرى، ونحتاج مثلا لدراسات توضح تطور ووجود الخدمات الصحية لتشرح التأريخ للإنسان وبحسب كل ما أنجز.

سياسيا، لا نزال نحتاج إلى مراجعات تاريخيّة في عدد من تحولات كبرى مررنا بها، من التأسيس إلى الاستقلال، وحروبنا في فلسطين، ومراحل الاستقرار وكيف تعاطى الأردن مع تحولات الاقليم التي لم تنته.

إن التاريخ مادة حيوية تتعلق بالإنسان والأرض، وهي باب واسع لكل شيء، وحيويتها تعتمد على عنصرين هما الدراسة والخلاصات ووضعها أمام أصحاب القرار، وليس موضوعا يختزل في شخص دون مؤسسة، أو في حكاية تروى دون سياق، والتجديد دوما بحاجة إلى تاريخ، فألم يحن الوقت لتيار أو مدرسة جديدة في تاريخ بلادنا!؟. هو سؤال مفتوح يحتاج إلى إجابات ودراسات بنهج وعقلية مختلفة.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/04 الساعة 01:51