قراءة متأنية في حادثة الرابية

د. اخليف الطراونة
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/27 الساعة 07:30
شهدت منطقة الرابية، وتحديدًا قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان، حادثة إطلاق نار استهدفت دورية أمنية أردنية و تعاملت معها قوات الأمن بمهنية وجدية، وفق قواعد الاشتباك المعروفة، وتعدّ هذه الحادثة تذكيرًا بالتحديات الأمنية التي تواجه الأردن في ظل التعقيدات المحلية والإقليمية.
أي سفارة على أرض المملكة تخضع عادة لإجراءات أمنية وحماية وفق بروتوكولات متعارف عليها، ونظرًا للحساسية السياسية والأمنية للسفارة الإسرائيلة فهذا يتطلب إجراءات مشددة ودقيقة؛ حيث تشكل المنطقة المحيطة بها منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ساحةً للعديد من التظاهرات والوقفات التي تعبّر عن الغضب والرفض الشعبيين مما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب وإبادة على أرض فلسطين المحتلة وغزة على وجه التحديد، علاوة على المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، فيما تُبرز حوادث كهذه أهمية الدور الأمني في حماية السفارات والبعثات?الدبلوماسية، التي تُعد جزءًا أساسيًا من سيادة الأردن واستقراره. وتُمثّل محاولة المساس بأمنه أو التشكيك بقدرته على حماية أراضيه تعديًا وتجاوزًا على الدولة بالمفهوم العام، وبالتالي هذه الحادثة وما شابهها وكل محاولة للإساءة الى رجال الأمن العام او المساس بأمن البلد مرفوضة جملة وتفصيلاً؛ وستقابل بالضرب بيد من حديد من قبل أجهزتنا الأمنية اليقظة.️السياق المحلي للحادثة:1. تصاعد التوترات الشعبية:تعدّ طبيعة العلاقات مع إسرائيل لدى الشارع الأردني متوترة للغاية ؛ بسبب الموقف الشعبي الرافض للانتهاكات والمجازر والتعدي على الشعب الفلسطيني والمقدسات الدينية؛ فتأتي بعض الحوادث الأمنية أحيانًا لتعبّر عن الغضب منها، لكن في المقابل فلا بد من الإشارة إلى أنه أحيانًا قد يُستغل هذا التعبير من قبل جهات؛ لضرب استقرار البلاد لا للتعبير عن الموقف الشعبي. وهنا يكمن الخطر والخلط الذي ربما يغفله بعض الناس؛ فالرفض الشعبي تعبير يقدّر لكن لا يكون على حساب أمن الدولة والمغامرة في مستقبلها السياسي.2.بين الدوافع والتأويل:في الظاهر غالبًا ما يتم التعاطف الشعبي مع أي حدث من شأنه أن ينال من العدو أو يهز قوته، ويحيي في النفوس قوة الحق وانتصاره، ليميل الشارع إلى تأويل الحادثة من دافع سياسي باعتبارها ردة فعل طبيعية على الجرائم الإسرائيلية تجاه شعب أعزل، فيما يذهب البعض إلى اعتبارها حادثة فردية مرتبطة بدافع خارجي هدفه تشويه صورة الأردن وزعزعة أمنه، أو جره إلى الفوضى، ويبقى الجميع منقسمًا حتى تأتي الرواية الرسمية التي مثّلها بيان الأمن العام والذي اتسم بالوضوح وكشف حقيقة ما حدث دون الاعتماد على التفسيرات الواسعة والتأؤيلات المدسوس?.السياق الإقليمي للحادثة:1. تأثير الأوضاع في فلسطين:الأحداث المتصاعدة في فلسطين، بما في ذلك الاعتداءات الإسرائيلية على الضفة الغربية وجرائم الإبادة والتطهير العرقي الذي ترتكبه آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، تنعكس على الشارع الأردني بصورة مباشرة وواضحة أكثر من أي جغرافية أخرى؛ لأسباب ترتبط بأحقية الوصايا الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وأخرى تاريخية؛ فضلًا عن الروابط الاجتماعية والجغرافية.2. المتغيرات السياسية الإقليمية:الاتفاقات التي أبرمتها بعض دول المنطقة مع إسرائيل بهدف وقف الاقتتال الدائر في الأراضي الفلسطينة منذ بدايات القرن الماضي، أدى إلى انقسام في الرأي العام العربي، وجعل بعضهم يراهن على تراجع الدور الأردني الذي ينطلق من تمسكه بمواقفه الثابتة تجاه حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.3. التحديات الأمنية الإقليمية:تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة في بعض دول الجوار؛ كالعراق وسورية يُلقي بظلاله على الوضع الأمني في الأردن، ما يتطلب يقظة مستمرة وتعزيز الإجراءات الوقائية، وتعزيز الجبهة الداخلية؛ ما يضعف كل المحاولات والحملات التي تريد جرّ الأردن إلى الفوضى والتهور والمغامرة الآنية.️التأثيرات العالمية1. ضعف التركيز الدولي على القضية الفلسطينية:تراجع حركة التضامن والدعم العالمية للقضية الفلسطينة، وانشغال القوى الكبرى بأزمات وأحداث عالمية جديدة، مثل: الحرب في أوكرانيا؛ والتوترات بين الولايات المتحدة والصين؛ فضلًا عن التوترات الإقليمية، أدت إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وفاقمت الغضب الشعبي، ووفرت بيئة خصبة لدى بعضهم لإضعاف الخطاب الأردني الذي يحاول تذكير العالم والقوى الكبرى، على وجه الخصوص، بأهمية القضية الفلسطينية وأنها مفتاح السلم العالمي، وأن استقرار وأمن المنطقة والعالم يتحقق عند إنهاء الصراع في فلسطين، ولن تنعم المنطقة ولا العالم بال?يش بسلام وأمان دون تحقيق السلام على أرض فلسطين وهذا ما ينادي به جلالة الملك عبدالله الثاني منذ زمن طويل.2. الأزمات الاقتصادية العالمية:كان للتحديات الاقتصادية العالمية تأثيرها المباشر في اقتصاد دول المنطقة ومنها الأردن، والذي انعكس على الأوضاع الداخلية؛ حيث شكلت هذه التحديات بيئة خصبة للسخط الشعبي على بعض القرارات الحكومية، والذي يتحوّل أحيانًا إلى أعمال احتجاجية مزدوجة الدوافع، سياسية اقتصادية، والتي تستغلها أحيانًا بعض القوى الظلامية والجماعات الإرهابية وتورط بعض الشباب للقيام بأعمال غير محسوبة العواقب.التداعيات والانعكاسات1. تشديد الإجراءات الأمنية:من المتوقع أن تُعزز الجهات المعنية الأردنية التدابير الأمنية في المناطق الحساسة، وبخاصة تلك المحيطة بالبعثات الدبلوماسية، لضمان عدم تكرار حوادث كهذه؛ انطلاقًا من الحرص على أمن البلد واستقراره، وتفويت الفرصة على أي محاولة للعبث بالسلم الداخلي.2. تحقيقات معمقة:ستعمل الجهات الأمنية على كشف دوافع منفذ الهجوم، سواء أكانت فردية؛ أم جماعية. وستتخذ الإجراءات اللازمة بحقه*، وتقدم خطوات وقائية واستباقية تقطع الطريق على كل من يُحاول المساس بأمن الأردن أو تشويه صورته.3. رسائل واضحة:التعامل مع حادثة الرابية حمل رسالة واضحة: أن الأردن قادر على حماية أمنه وسيادته، وفي استعداد دائم للتعامل مع أي محاولة تهدف إلى زعزعة استقراره.️الخلاصة:حادثة الرابية تُبرز التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه الأردن في ظل التوترات المحلية والإقليمية، ومحاولة النيل من تماسكه، ووحدة صفه، ومع ذلك، فإن الثوابت الأردنية واضحة: أمن الأردن ووحدته خط أحمر، والدولة بأجهزتها الأمنية على استعداد تام للتضحية والدفاع عن صموده وديمومة وجوده، وأن التعامل مع حوادث كهذه يستدعي تعزيز الأمن الداخلي، والاستمرار في الجهود الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، مع ضرورة التأكيد على أن من يحاول العبث بأمن البلاد يعرض حياته للهلاك.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/27 الساعة 07:30