بلفور.. وعد مستمر؟

د.محمد يونس العبادي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/04 الساعة 06:35

تمر ذكرى وعد بلفور في هذه الأيام، ومما يروى عن هذا الوعد، أنه لم يحظَ باجماع مجلس الوزراء البريطاني، عارضه الوزير اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية (آنذاك) وهو «إدوين مونتاجو» وكان يتسلم منصب وزير الدولة لشؤون الهند، بل وندد بالصهيونية معتبرا أنها خطر على اليهود ذاتهم.

فرضيات وحقائق كثيرة كتبت عن هذا الوعد، وبينها أيضا ما شرح المقابل منه، ولكن الحقيقة الثابتة هي أنه غيّر كثيرا في وجه المشرق العربي، وتسبب بمأساة لا تزال تلد أخرى حتى اليوم، وأن القضية الفلسطينية بقيت تختبر ضمير العالم حتى اليوم.
ورغم أن أكثر من مئة وسبع سنوات مرت حتى اليوم على هذا الوعد، إلا أنه بقي يتسع ويتطور بأشكاله، ورغم مرور آلاف السياسيين في الشرق والغرب وحديثهم عن العدالة للقضية الفلسطينية إلا أننا نرى مآسي لا تنتهي في غزة والضفة ولبنان، أيضا.
وكأن الصك الذي وقعه الوزير البريطاني آرثر بلفور للصهيونية ما يزال ساريا حتى اليوم، وتسري أحكامه حتى اللحظة، حتى أنه بات بما خلقه من كيان أكثر شراسة وأقل مقدرة على اللجم والترويض، فمنذ 1917 وحتى اليوم وهو يجيز لمن «لا يملك» أن يواصل بصلفه، حتى لو دانه معظم العالم.
واليوم، وفي ظلال هذه الذكرى المشؤومة، ومأساة غزة، ألم نصل كنخب عربية وفلسطينية تحديدا لإنتاج خطاب مضاد يجدد بآليات التصدي لما أنتجه هذا الوعد من عقلية يمينية متطرفة تتحالف مع مؤثرين وصانعي قرار في مراكز صنع القرار.
ألم تصل هذه النخب إلى طريق جديد تهتدي إليه بإيصال رسالة الإنسان الفلسطيني، الذي ما يزال يدفع أثمانًا مضاعفة؟!
فحتى لا يبقى هذا الوعد مستمرا وكأنه شيك على بياض يهلك من لا يملكون فيه قرار إبادة، نرى الحاجة لخطاب جديد صوب القضية الفلسطينية لا يكون مقتصرا على السياسيين وحسب، بل على المثقفين والاعلاميين، وبخاصة النخب العربية في دول الغرب.
فنحن على مدار سنوات رأينا تأثير مثقفين عرب في الغرب حيال الظلم وغياب العدالة لفلسطين، ولكنا نرى أنه رغم عمق المأساة الأخيرة إلا أن الصوت النخبوي العربي ما يزال مترددا حيال طرح قضيته وحمل نداء العدالة، وأن الخطاب المضاد في الغرب أقوى ويلقى أذانا صاغية لدى النخب هناك، رغم أن مأساة غزة حركت الشوارع في مدن الغرب مثل لندن وواشنطن وغيرهما.
وهذا التوجه بحاجة إلى حراك ثقافي عربي يمتد إلى الخارج، والنخبة العربية في الغرب لتكون قادرة بالتأثير على نخبة الغرب أيضا، التي يبدو أن تأثيرها له صوت مسموع.. فمن غير المعقول أن يبقى هذا الوعد مستمرا وسرديتنا لا تزال تتحرك ضمن مفاهيم مكرورة، فمأساة هذا الوعد تتجدد كل صباح في فلسطين، وفي منطقتنا العربية.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/04 الساعة 06:35