الأردن عصي على مشاريع النفوذ

د.محمد يونس العبادي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/19 الساعة 00:15
الحرب في غزة تقترب مدتها من العام، وقد غيّرت وجه المنطقة بشكل كاملٍ، وكشفت مدى صلف وعدوانية وتطرف حكومة الاحتلال، وكشفت وجه إسرائيل الحقيقي، ليس لنا، فنحن نعلم ما يكنه هذا الاحتلال من نزعات كرهٍ وعدائية، ولكنها كشفت للعالم ماهيّة إسرائيل.
وبينما السعي في هذا الوطن، قيادة وشعباً، لرفع الظلم عن الأهل في غزة والتخفيف من وطأة الحالة المأساوية، والتي يمكن وصفها بمأساة العصر في قطاع غزة.. وهو سعي لا ينكره إلا جاحد، نرى أن المنطقة تكشفت على مشاريع قديمة تريد أن تتجدد بغطاء شرعية الشعارات، لا مشروعية الحضور.والحديث هنا عن إيران ومشروعها، إذ نحن نرى بأنّ طهران تستغل كل شعارات الدعم لفلسطين لأجل مآرب رأينا نتائجها على مدار عقودٍ مضت، وإلى أين أوصلت حال المنطقة وأربعةٍ من أهم دولها العربية.ونحن في الأردن، ورغم كل هذه الظروف غير المسبوقة، سياسياً وتاريخيا، حاولنا أن نجد مقاربات ممكنة مع ما يخدم فلسطين وقضيتها، ولكن نلحظ بين حينٍ وآخر أن عناوين وشعارات الدعم الآتية من طهران محمولة على رواسب تاريخية تتعلق بمفاهيم خبرناها في المنطقة ورأينا نتائجها، قبل وبعد السابع من أكتوبر.إن هذا الحديث وهذه المخاطر التي تتهدد بلدنا يجب أن نكون صريحين حيالها، فنحن منذ شهورٍ وأكثر ونحن نعاني عبر حدودنا الشمالية من تهريب المخدرات والسلاح، وقد ارتفعت وتيرة هذه العمليات بعد السابع من أكتوبر، ولاحقاً رأينا اختراق سماء وطننا العزيز، بشعارات الدعم لفلسطين، رغم أن الساحات الأخرى أقرب منا وهي أولى أن يستخدم مجالها الجوي من اختراق سيادة بلدنا بذرائع ندرك أن لها دوافعها غير البريئة.الإشكالية في المنطقة اليوم ليست بشرعية الشعارات بل بمشروعية من يدعمها، ذلك أنه لا يمكن لعاقل أن يزاود على ما قدمه وبذله الأردن، ويواصل بذله لأجل فلسطين، ولكن من منطق الحالة الإنسانية بدايةً، فالوضع بغزة إنساني بداية وهو أولى بالمعالجة ثم البحث عن مقاربات سياسية.أما أن تستغل هذه الظروف لإيقاظ نزعات ومشاريع نفوذٍ توسعية رأينا نتائجها وندرك إلى أين تريد أخذنا، فهذا أمرغير مقبول، فالأردن مصدر قوته في أنه يعبر عن ذاته كوطنٍ وليس ساحة صراعات أو نفوذٍ خاصة وأنه بنى هذه الحالة الوطنية على مدار عقودٍ لإيمان شعبه وإنسانه بشرعية قيادته وسلامة خياراتها، وهو أمر صان جبهتنا الوطنية.الإشكالية أن البعض يظن أن الأردن من الممكن أن يكون يوماً ساحةً، أو ينزلق إلى حسابات السياسة والمقايضة، وهو أمر مستحيل في هذا البلد، بخاصة لمن يفهم تاريخه وحاضره.لقد حاول الأردن، بطبيعته السياسية اليوم، بناء مقاربةٍ مع طهران ما زلنا ننتظر نتائجها، عبر زيارة وزير الخارجية الأخيرة إلى طهران، وما حملته من دلالاتٍ مرتبطة بالتوقيت.. وما يزال ينتظر النتائج، أو يحاول اختبار مقارباته التي مبدأها صون أمنه الوطني، وأمن إنسانه، ودعم فلسطين الثابث بما يكون إيجاد حلٍ نهائي وعادل للقضية الفلسطينية.فالأردن لم يكن يوماً ضمن أي مشروع، سوى مشروعه العربي والوطني، والمنبثق من مبادئة التي ترجمها قولاً وفعلاً، دون "جعجة" الشعارات والشعبويات التي رأينا نتائجها.. نعم نحن في هذا الوطن نبذل لفلسطين منذ كانت القضية، وقدمنا وبذلنا وما زلنا.. أما شعارات ورواسب التاريخ وعقد النفوذ فلا مكان لها في الأردن... فنحن في وطن عصي على مشاريع النفوذ، والاستقطاب والمزاودة.. ومشروعنا وطني قومي تقوده قيادة نثق بها حاضراً، وماضياً، ومستقبلاً.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/19 الساعة 00:15