مشاقبة يكتب: نظرة في التحديث السياسي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/19 الساعة 23:48
ينطوي التحديث السياسي على عمليات متعددة الأوجه والأبعاد تهدف إلى الانتقال بالحالة السياسية من تقليدية إلى متقدمة، ومتطورة ذات مضامين وعناصر منها توسيع قاعدة المشاركة السياسية، أي أن يُشارك الناس في عملية اتخاذ القرار وانتخاب ممثليهم في السلطة على عدة مستويات منها المحلي والوطني والمشاركة السياسية هي إرادية، طوعية، سلوك سياسي يستند إلى الحقوق والواجبات المُلقاة على عاتق المواطن، فالسيادة للشعب ومن حقه أن يُمارس شيئاً من السيادة في القرار والاختيار، ليشعر بالإنتماء للدولة، والمجتمع الذي يعيش وهو شعور عاطفي يبعث على الرضاء النفسي والإرتياح الفكري بأنه جزء من كل، فالارتباط بالوطن الدولة تعبير شعوري يتعزز بالمشاركة الفعلية، بعيداً عن الانتماءات الضيقة أو الفرعية، فمبدأ الشمول يتحقق بمشاركة الجميع من أجل الجميع وهنا نعني المصالح الوطنية العُليا التي تسعى معاً لتحقيقها من أجل وطن نعيش فيه وما يتعرض له ينعكس بالنهاية علينا، فالمشاركة الفعلية تتجسد بتقدير عالٍ لمصلحة الجميع الذين نعيش معهم، حيث تنبثق الإرادة العامة وهي الإرادة العُليا، ويأتي في مرتبة ثانية الولاء للنظام السياسي وطبيعة السلطة السياسية، فالانتماء والولاء مُرتبطان معاً بخيط عريض وقوي ويتعززان بالمشاركة الفاعلة والمُؤثرة على كل المستويات.
هذا وينطوي التحديث السياسي على تغير في منطوية القيم الاجتماعية السائدة وتحويلها إلى قيم محدثة تحمل في طياتها قيماً ديمقراطية، ناهيك عن أهمية التغير في المعتقدات والاتجاهات ذات الطابع السياسي، والتغير هذا يتطلب حُكماً بناء ثقافة سياسية جديدة وبصورة تدريجية تعتمد على الأبعاد الأساسية للثقافة السياسية والبعد الأول هو البعد المعرفي كيف لنا أن ننشر معلومات عن طبيعة النظام السياسي، ومؤسساته وسلطاته وكيف تعمل يضاف إلى ذلك أهمية التعريف بالدستور وأهم القوانين النافذة، والبُعد الثاني، البُعد الرمزي وهو التعريف برموز الوطن وأهميتها، والأحداث التاريخية والشخوص والعظماء الأوائل، وعلم الدولة وكافة رموزها الحاضرة والتاريخية، والبُعد الأخير يتمثل كيف يُقيّم الفرد اداء النظام ومدى الرضاء النفسي الذي يجلب الشرعية، فكلما كان الاداء مُميزاً ومرموقاً زادت مستويات الشرعية السياسية، وتنطوي عمليات التحديث السياسي على تطوير الإدارة، وزيادة وسائل الاتصال الجماهيري، ومزيداً من الدمقرطة، والتغيرات للقوانين الناظمة للحياة السياسية، والتعبئة والتحريك وهذا ما سنحاول توضيحه، أن عمليات التعبئة الاجتماعية والسياسية، تتعلق بدفع الناس على المشاركة، وإبداء الرأي، والتعبير وهذا يرفع من مستوى المطالب على الأبعاد كافة، واذا كانت درجة المؤسسية منخفضة أو ضعيفة فيؤدي ذلك إلى احباط سياسي وبروز حالة من التذمر وعدم الارتياح النفسي وربما يقود إلى زعزعة الاستقرار.
إن الناظر للحالة الأردنية يرى توفر الإرادة السياسية لدى القيادة في إحداث التغيير التدريجي للوصول إلى حكومات برلمانية وإجراء الانتخابات بوجود قاعدة حزبية تتنافس للحصول على عدد من المقاعد محدداً قانوناً، لتقود لتشكيل حكومة حزبية جزئياً وليس على المستوى الكلي، وهناك تعبئة وتحريك من أجل مزيداً من المشاركة السياسية والانخراط في العمل السياسي العام من أجل انجاح هذه المرحلة التي هي متقدمة على ما سبقها تاريخياً، وباعتقادنا فإن الأهمية تكمن في الأخذ بعين الاعتبار اهمية بناء ثقافة سياسية مشاركة، ومنظومة قيم ومعتقدات سياسية تخدم انجاح هذه المرحلة من حالة التحديث السياسي، ونرى اهمية انطاق قيادات وطنية محدثة بدلاً من عملية تصنيع النخب غير المقنعة والتي تنتهي مجرد الخروج من الكرسي، وأهمية التخلص من حالة تحول النخب الى شلل، لأن الشلة قائمة على الابعاد الشخصية والمصالح الآنية بعيداً عن المصالح الوطنية العليا، ان عملية انطاق قيادات وطنية يجب ان يرتكز على الكفاءة السياسية، والابعاد الاجتماعية والقدرة على تقديم المصالح الوطنية على الشخصية الضيقة، تأهيله عن اهمية عنصر النظافة في كل الأبعاد، ونسأل انفسنا كم مرة تخيب ظننا بأُناس لا يعرفون المجتمع، والمجتمع لا يعرفهم، إذاً حُسَنْ الاختيار هو الأساس ومن هو الذي يختار أو يرشح للإختيار.. حمى الله الأردن الوطن الدولة.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/19 الساعة 23:48