التل يكتب: النصر والهزيمة كمفهوم بين المنظومة الاسلامية وغيرها من المنظومات
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/13 الساعة 09:34
بين جولات الحق والباطل، يبرز مفهوم النصر كغاية لا بد منها ومفهوم الهزيمة كقيمة لا بد من تجنبها، وهذان المفهومان لهما عدة مفاهيم مختلفة حسب بواعثه وأسبابه، وحسب المفهوم العام له من العقل الجمعي للأمم على مختلف مشاربها.
وعليه فإن كل أمة من الامم وكل شعب من الشعوب، له مفهومه الخاص بالنصر والهزيمة، ينبثق من ثقافته وعقيدته وطبيعة معايشته لمفهوم النصر والهزيمة، فالنصر والهزيمة عند العقيدة الشيوعية مختلفان كمفهوم عن النصر والهزيمة عند العقيدة الرأسمالية، والرأسمالية مختلفة بالمفهوم عن العقيدة المختلطة بين النظامين، ويفصل بين هذا كله مفهوم النصر والهزيمة عند الامة الإسلامية، وتتمايز بمفهومها، مما ينعكس لزاما على المجتمع السياسي والعسكري والاقتصادي والفردي والقيادي لدى كل نظام حسب كل عقيدة محركة له.* مفهوم النصر في الإسلام مختلف كليا عن مفهوم النصر عند باقي الأمم ...مفهوم النصر والهزيمة في الاسلام بمختلف نظمه مختلف كليا عن مفهومه البشري عند الامم الاخرى،فالنصر بحده الادنى المتفق عليه عند مختلف الامم الاخرى هو القضاء على امكانات العدو البشرية والمادية، واجباره على الانسحاب من ارض او شيء ذو قيمة بشرية كان يحتله . او يحتفظ به أو يدعي الحق له بامتلاكه. وعكسه هو الهزيمة.ولكن هل هذا المفهوم هو نفسه عند الامة الاسلامية ؟!نضرب مثالا بالقيادة العليا لمختلف الشعوب والامم التي أرسل لها الرسل، والرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، يمثلون القيادة العليا لتلك المجتمعات والأمم قولا واحدا ...يقول الله تعالى : ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾، فلله تعالى يتكفل بنصرة رسله وأنبيائه الذين يمثلون العقيدة التي أرسلوا بها الى مختلف الامم بالنصر في الدنيا والآخرة، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن، كيف يكون الرسول والنبي صلوات الله عليهم جميعا، قد انتصروا وهناك مَن تم قتله على يد قومه مثل زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ؟! هل قتل النبي انتصاراً ؟!ان الجواب يكون من وجهين كما ورد عن الامام الطبري :الأول: أن يكون معناه: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، إما بإعلاء الرسل على المكذبين، حتى يقهروهم، وإما بإهلاك من حاربهم وشاقهم، وإنجاء الرسل ممن كذّبهم وعاداهم، أو بالانتقام في الحياة الدنيا ممن كذب المرسلين وقتلهم.الثاني: أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين، والمراد واحد، فيكون تأويل الكلام حينئذ: إنا لننصر رسولنا محمدا، والذين آمنوا به في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، كما بيَّنا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ الجميع، والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصا بعينه.وعلى هذا لا يخرج اكرام الله تعالى لهذه الامة بمفهوم النصر والذي يعاكسه مفهوم الهزيمة , من صور ثلاث :الاولى : ظهور وعلو الانبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلوات والتسليم مع من آمن بهم - وبنوا نظمهم السياسية والاقتصادية والعسكرية الفردية على العقيدة التي جاء بها المرسلون - على اعدائهم بصورة جلية لا لبس فيها , ماديا ومعنويا .الثانية : نجاة الرسل والأنبياء واقوامهم الذين بنوا نظمهم السياسية والعسكرية والاقتصادية بعد البناء الفردي حسب العقيدة المرسلة مع رسلهم , من هلاك أقوامهم الذين أصبحوا أعداء لهم , مثل قوم سيدنا نوح عليه أفضل الصلاة والسلام .الثالثة : قتل الرسول والنبي مع مَن آمن به , ومن ثم يأتي عذاب الله تعالى للمجرمين أعدائهم ,* الصورة الأولى والثانية هي النصر المتفق عليه عند مختلف الامم , ولكن اين النصر في الصورة الثالثة ؟!!حقيقة ان الصورة الثالثة من مفهوم النصر هي أبلغ الصور , وهو الثبات على المبدأ والعقيدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية , والانتصار للقيم التي لا حياة للأمة بدونها , ولا تفوّق لها بدون اسسها , والموت في سبيلها , هو أعلى درجات الرفض للهزيمة التي هي سيادة غير هذه المباديء التي نحيا من أجلها ونموت عليها . وهي الممهدة للصورة النهائية المادية لمفهوم النصر , كما انها الأسس العامة لمفهوم الهزيمة بمفهومها المادي ايضا ان رضينا او رضي الرسل والأمم التي بنت نظمها على العقيدة التي جاء بها الرسل أية حلول بديلة , وأية حلول وسط كما يطلق عليها اليوم .ونضرب على الصورة الثالثة مثالا بأصحاب الأخدود الذين تم ابادتهم بأشنع الطرق التي عرفها التاريخ البشري , فقد تم تحريقهم بالنار وهم احياء , أمة بأكملها تم حرقها بالنار وهي حية وتنظر بعد قهرها وخسارتها جولات مصادمة بين الحق والباطل.تم ابادة أمة كاملة بنظمها المادية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وعقيدتها التي دافعت عنها بكل قوة وماتت تحت رايتها , رفضا للهزيمة التي هي استبدال نظمها المختلفة التي ميّزت تلك الامة عن بقية الأمم .فالصورة الثالثة تحديدا , تمثل الجولات المتعددة والتي هي مستمرة حتى يرث الله الأرض ومَن عليها , وهي جولات المصادمة بين الحق بجميع نظمه , وبين الباطل بجميع جحافله ونظمه وعتاده .فليست الصورة المادية للانتصار هي معيار النصر الوحيد ولا هي معيار الهزيمة الوحيدة , بل هناك معايير أعمق بكثير من الصور المادية , مع ملاحظة استمرار التدافع بين الحق والباطل بمختلف صوره الى يوم الدين , قال تعالى : ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾* ما هي محددات مفهوم النصر والهزيمة في الأمة الاسلامية , والتي تميّزها عن باقي الأمم ؟!!جولات الحق والباطل ممتدة ما زالت الارض والسماء قائمتان , فيكون من الضرورة بمكان تحديد محددات تلك المفاهيم ( النصر والهزيمة ) في المفهوم العام للأمة , اذ أن تحديد هذين المفهومين هو جزء من المعركة الممتدة على طول تاريخ الأرض حتى تنتهي من الوجود .المحدد الأول : ( تلك الايام نداولها )لا يوجد انتصار دائم , ولا يوجد هزيمة دائمة , وانما هي أسباب تمهد للنصر والهزيمة , فمن اخذ بها فهو اولى بها من غيره , على صعيد النظم السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية أو على الصعيد الفردي ,فصاحب الحق لا بد من أسباب تدعم انتصاره , ولا بد من أسباب أدّت الى هزيمته , الله تعالى خلق هذه الدنيا على أسباب توفر النتائج , فلم يستثني من تلك الأسباب لا رسول ولا نبي ولا أمة صالحة او طالحة , بل طالب أصحاب الحق بالأخذ بالأسباب المهيئة للانتصار كنتيجة , والا لا تلوم إلا نفسها .المحدد الثاني : النصر من عند الله تعالى ..ان الأخذ بالأسباب للنصر او الهزيمة على حد سواء , لا تغرّن أي نظام على وجه الأرض بأنه صاحب النصر والهزيمة , وينسبها الى نفسه .بل ان النظام السياسي المؤمن بربه الواحد الأحد الفرد الصمد , انما يأخذ بأسباب النصر تعبّداً لله تعالى وطاعة اوامره, ويتحرة الهدف الأعلى من تنظيم منظومته السياسية على أساس التعبّد لله تعالى فيها , فهو مأمور بالقوة المادية والمعنوية حتى يتحقق النصر , وهذا الأمر من الله تعالى لعباده مهما اختلف مفهوم العباد وصورهم , من نظم سياسية الى نظم فردية .واي خلل بهذا الاعتماد على الله تعالى لعدم الأخذ بأسباب النصر , انما هو خروج من منظومة النصر برمتها وان توفرت اسبابها المادية.نضرب بمثال على ذلك غزوة حنين , اذ اعجب الأمة الاسلامية في جيشها العدد والعدة والعتاد , فخرجوا بذلك من منظومة النصر المعتمدة على الأسباب المادية البحتة الى منظومة الهزيمة , ولم تعد الى نصرها الا بعد ارجاع الفضل لصاحب الفضل وهو الله تعالى الذي يمنن على عباده بالنصر .المحدد الثالث : ان النفس هي المعيار الأول للنصر أو الهزيمة :لا يتأتى النصر لأنفس مهزومة من الداخل , ولن يكون لأمة افرادها مهزومين داخليا , فأهم عامل للنصر هو ذلك المجتمع المتميّز بعلو همته , وعلو غاياته , وعلو تنظيمه وعلو تصميمه , فإن اختلّت الأنفس من داخلها , فلا نصر لها او لنظمها بمختلف مستوياتها مهما امتلكت من قوة مادية , وان انتظمت الأنفس في مجتمع ما تحت منظومة سياسية قوية تعلي الهمم وتعمل للنصر وتوفر اسبابه , فالنتيجة لزاما هي النصر بمفاهيمه المتعددة في مختلف الميادين .ونضرب بمثال لهذا بمعركة المسلمين مع التتار والمغول الذين قضوا على ثلاثة ارباع الكرة الارضية في وقتها , فرغم قلة العدة والعتاد , وقلة الأنفس من حيث العدد المادي , الا ان الأنفس كانت مقتنعة بالنصر , ومقتنعة من داخلها إنها آخر حلقات الحضارة في مواجهة البربرية القاتلة للبشرية . فكان النصر من نصيبهم .وهنا ألفت النظر الى مَن يتساءل عن الجهاد في فلسطين وتحديدا غزة العزة , هل المقاومة مؤهلة لتنتصر على اسرائيل في جولتها القتالية الحالية ؟!اترك الجواب لذلك العقل الواعي المتمعن بمحددات النصر والهزيمة من حيث مفهوم الأمة الاسلامية لهماالمحدد الرابع : حدود الأخذ بالأسباب , تكون على قدر الاستطاعة .هذا المحدد مهم جدا بمفهوم النصر والهزيمة المبنية على حدود الأخذ بالأسباب , فلا يُطلب من مجموع الامة ان تحمّل نفسها فوق طاقتها بالأخذ بالأسباب , بل المطلوب منها افراغ جهدها في الأخذ بالأسباب حسب القدرة الإستطاعية فقط .وهنا يبرز لنا الاختلاف بين مفهوم الماديين بالأخذ بالأسباب من حيث مفهوم النصر والهزيمة وبين مفهوم الاستطاعة بالأخذ بالأسباب .فالماديون يلومون المقاومة في فلسطين بانهم غير مؤهلين للنصر باعتبار أن اخذهم بالأسباب اقل بكثر من اعدائهم , ولكن المقاومة تقابله بمفهوم الاستطاعة بالأخذ بالأسباب , وهذا هو قدرتهم بالأخذ بالاسباب وقد افرغوا جهدهم فيه , فأعذروا الى ربهم والى المسلمين .وعليه فإن ايقاف المعركة الممتدة بسبب الاخذ بالأسباب وتكليف الامة خارج استطاعتها هو خروج عن مفهوم النصر والهزيمة في منظومتنا الفكرية والعقدية والسياسية وغيرها من النظم التي تعتمد على العقيدة الاسلامية كمنطلق .نصر الله هذه الأمة بنصره , وهيأ لها امرا رشداً .
وعليه فإن كل أمة من الامم وكل شعب من الشعوب، له مفهومه الخاص بالنصر والهزيمة، ينبثق من ثقافته وعقيدته وطبيعة معايشته لمفهوم النصر والهزيمة، فالنصر والهزيمة عند العقيدة الشيوعية مختلفان كمفهوم عن النصر والهزيمة عند العقيدة الرأسمالية، والرأسمالية مختلفة بالمفهوم عن العقيدة المختلطة بين النظامين، ويفصل بين هذا كله مفهوم النصر والهزيمة عند الامة الإسلامية، وتتمايز بمفهومها، مما ينعكس لزاما على المجتمع السياسي والعسكري والاقتصادي والفردي والقيادي لدى كل نظام حسب كل عقيدة محركة له.* مفهوم النصر في الإسلام مختلف كليا عن مفهوم النصر عند باقي الأمم ...مفهوم النصر والهزيمة في الاسلام بمختلف نظمه مختلف كليا عن مفهومه البشري عند الامم الاخرى،فالنصر بحده الادنى المتفق عليه عند مختلف الامم الاخرى هو القضاء على امكانات العدو البشرية والمادية، واجباره على الانسحاب من ارض او شيء ذو قيمة بشرية كان يحتله . او يحتفظ به أو يدعي الحق له بامتلاكه. وعكسه هو الهزيمة.ولكن هل هذا المفهوم هو نفسه عند الامة الاسلامية ؟!نضرب مثالا بالقيادة العليا لمختلف الشعوب والامم التي أرسل لها الرسل، والرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، يمثلون القيادة العليا لتلك المجتمعات والأمم قولا واحدا ...يقول الله تعالى : ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾، فلله تعالى يتكفل بنصرة رسله وأنبيائه الذين يمثلون العقيدة التي أرسلوا بها الى مختلف الامم بالنصر في الدنيا والآخرة، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن، كيف يكون الرسول والنبي صلوات الله عليهم جميعا، قد انتصروا وهناك مَن تم قتله على يد قومه مثل زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ؟! هل قتل النبي انتصاراً ؟!ان الجواب يكون من وجهين كما ورد عن الامام الطبري :الأول: أن يكون معناه: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، إما بإعلاء الرسل على المكذبين، حتى يقهروهم، وإما بإهلاك من حاربهم وشاقهم، وإنجاء الرسل ممن كذّبهم وعاداهم، أو بالانتقام في الحياة الدنيا ممن كذب المرسلين وقتلهم.الثاني: أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين، والمراد واحد، فيكون تأويل الكلام حينئذ: إنا لننصر رسولنا محمدا، والذين آمنوا به في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، كما بيَّنا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ الجميع، والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصا بعينه.وعلى هذا لا يخرج اكرام الله تعالى لهذه الامة بمفهوم النصر والذي يعاكسه مفهوم الهزيمة , من صور ثلاث :الاولى : ظهور وعلو الانبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلوات والتسليم مع من آمن بهم - وبنوا نظمهم السياسية والاقتصادية والعسكرية الفردية على العقيدة التي جاء بها المرسلون - على اعدائهم بصورة جلية لا لبس فيها , ماديا ومعنويا .الثانية : نجاة الرسل والأنبياء واقوامهم الذين بنوا نظمهم السياسية والعسكرية والاقتصادية بعد البناء الفردي حسب العقيدة المرسلة مع رسلهم , من هلاك أقوامهم الذين أصبحوا أعداء لهم , مثل قوم سيدنا نوح عليه أفضل الصلاة والسلام .الثالثة : قتل الرسول والنبي مع مَن آمن به , ومن ثم يأتي عذاب الله تعالى للمجرمين أعدائهم ,* الصورة الأولى والثانية هي النصر المتفق عليه عند مختلف الامم , ولكن اين النصر في الصورة الثالثة ؟!!حقيقة ان الصورة الثالثة من مفهوم النصر هي أبلغ الصور , وهو الثبات على المبدأ والعقيدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية , والانتصار للقيم التي لا حياة للأمة بدونها , ولا تفوّق لها بدون اسسها , والموت في سبيلها , هو أعلى درجات الرفض للهزيمة التي هي سيادة غير هذه المباديء التي نحيا من أجلها ونموت عليها . وهي الممهدة للصورة النهائية المادية لمفهوم النصر , كما انها الأسس العامة لمفهوم الهزيمة بمفهومها المادي ايضا ان رضينا او رضي الرسل والأمم التي بنت نظمها على العقيدة التي جاء بها الرسل أية حلول بديلة , وأية حلول وسط كما يطلق عليها اليوم .ونضرب على الصورة الثالثة مثالا بأصحاب الأخدود الذين تم ابادتهم بأشنع الطرق التي عرفها التاريخ البشري , فقد تم تحريقهم بالنار وهم احياء , أمة بأكملها تم حرقها بالنار وهي حية وتنظر بعد قهرها وخسارتها جولات مصادمة بين الحق والباطل.تم ابادة أمة كاملة بنظمها المادية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وعقيدتها التي دافعت عنها بكل قوة وماتت تحت رايتها , رفضا للهزيمة التي هي استبدال نظمها المختلفة التي ميّزت تلك الامة عن بقية الأمم .فالصورة الثالثة تحديدا , تمثل الجولات المتعددة والتي هي مستمرة حتى يرث الله الأرض ومَن عليها , وهي جولات المصادمة بين الحق بجميع نظمه , وبين الباطل بجميع جحافله ونظمه وعتاده .فليست الصورة المادية للانتصار هي معيار النصر الوحيد ولا هي معيار الهزيمة الوحيدة , بل هناك معايير أعمق بكثير من الصور المادية , مع ملاحظة استمرار التدافع بين الحق والباطل بمختلف صوره الى يوم الدين , قال تعالى : ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾* ما هي محددات مفهوم النصر والهزيمة في الأمة الاسلامية , والتي تميّزها عن باقي الأمم ؟!!جولات الحق والباطل ممتدة ما زالت الارض والسماء قائمتان , فيكون من الضرورة بمكان تحديد محددات تلك المفاهيم ( النصر والهزيمة ) في المفهوم العام للأمة , اذ أن تحديد هذين المفهومين هو جزء من المعركة الممتدة على طول تاريخ الأرض حتى تنتهي من الوجود .المحدد الأول : ( تلك الايام نداولها )لا يوجد انتصار دائم , ولا يوجد هزيمة دائمة , وانما هي أسباب تمهد للنصر والهزيمة , فمن اخذ بها فهو اولى بها من غيره , على صعيد النظم السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية أو على الصعيد الفردي ,فصاحب الحق لا بد من أسباب تدعم انتصاره , ولا بد من أسباب أدّت الى هزيمته , الله تعالى خلق هذه الدنيا على أسباب توفر النتائج , فلم يستثني من تلك الأسباب لا رسول ولا نبي ولا أمة صالحة او طالحة , بل طالب أصحاب الحق بالأخذ بالأسباب المهيئة للانتصار كنتيجة , والا لا تلوم إلا نفسها .المحدد الثاني : النصر من عند الله تعالى ..ان الأخذ بالأسباب للنصر او الهزيمة على حد سواء , لا تغرّن أي نظام على وجه الأرض بأنه صاحب النصر والهزيمة , وينسبها الى نفسه .بل ان النظام السياسي المؤمن بربه الواحد الأحد الفرد الصمد , انما يأخذ بأسباب النصر تعبّداً لله تعالى وطاعة اوامره, ويتحرة الهدف الأعلى من تنظيم منظومته السياسية على أساس التعبّد لله تعالى فيها , فهو مأمور بالقوة المادية والمعنوية حتى يتحقق النصر , وهذا الأمر من الله تعالى لعباده مهما اختلف مفهوم العباد وصورهم , من نظم سياسية الى نظم فردية .واي خلل بهذا الاعتماد على الله تعالى لعدم الأخذ بأسباب النصر , انما هو خروج من منظومة النصر برمتها وان توفرت اسبابها المادية.نضرب بمثال على ذلك غزوة حنين , اذ اعجب الأمة الاسلامية في جيشها العدد والعدة والعتاد , فخرجوا بذلك من منظومة النصر المعتمدة على الأسباب المادية البحتة الى منظومة الهزيمة , ولم تعد الى نصرها الا بعد ارجاع الفضل لصاحب الفضل وهو الله تعالى الذي يمنن على عباده بالنصر .المحدد الثالث : ان النفس هي المعيار الأول للنصر أو الهزيمة :لا يتأتى النصر لأنفس مهزومة من الداخل , ولن يكون لأمة افرادها مهزومين داخليا , فأهم عامل للنصر هو ذلك المجتمع المتميّز بعلو همته , وعلو غاياته , وعلو تنظيمه وعلو تصميمه , فإن اختلّت الأنفس من داخلها , فلا نصر لها او لنظمها بمختلف مستوياتها مهما امتلكت من قوة مادية , وان انتظمت الأنفس في مجتمع ما تحت منظومة سياسية قوية تعلي الهمم وتعمل للنصر وتوفر اسبابه , فالنتيجة لزاما هي النصر بمفاهيمه المتعددة في مختلف الميادين .ونضرب بمثال لهذا بمعركة المسلمين مع التتار والمغول الذين قضوا على ثلاثة ارباع الكرة الارضية في وقتها , فرغم قلة العدة والعتاد , وقلة الأنفس من حيث العدد المادي , الا ان الأنفس كانت مقتنعة بالنصر , ومقتنعة من داخلها إنها آخر حلقات الحضارة في مواجهة البربرية القاتلة للبشرية . فكان النصر من نصيبهم .وهنا ألفت النظر الى مَن يتساءل عن الجهاد في فلسطين وتحديدا غزة العزة , هل المقاومة مؤهلة لتنتصر على اسرائيل في جولتها القتالية الحالية ؟!اترك الجواب لذلك العقل الواعي المتمعن بمحددات النصر والهزيمة من حيث مفهوم الأمة الاسلامية لهماالمحدد الرابع : حدود الأخذ بالأسباب , تكون على قدر الاستطاعة .هذا المحدد مهم جدا بمفهوم النصر والهزيمة المبنية على حدود الأخذ بالأسباب , فلا يُطلب من مجموع الامة ان تحمّل نفسها فوق طاقتها بالأخذ بالأسباب , بل المطلوب منها افراغ جهدها في الأخذ بالأسباب حسب القدرة الإستطاعية فقط .وهنا يبرز لنا الاختلاف بين مفهوم الماديين بالأخذ بالأسباب من حيث مفهوم النصر والهزيمة وبين مفهوم الاستطاعة بالأخذ بالأسباب .فالماديون يلومون المقاومة في فلسطين بانهم غير مؤهلين للنصر باعتبار أن اخذهم بالأسباب اقل بكثر من اعدائهم , ولكن المقاومة تقابله بمفهوم الاستطاعة بالأخذ بالأسباب , وهذا هو قدرتهم بالأخذ بالاسباب وقد افرغوا جهدهم فيه , فأعذروا الى ربهم والى المسلمين .وعليه فإن ايقاف المعركة الممتدة بسبب الاخذ بالأسباب وتكليف الامة خارج استطاعتها هو خروج عن مفهوم النصر والهزيمة في منظومتنا الفكرية والعقدية والسياسية وغيرها من النظم التي تعتمد على العقيدة الاسلامية كمنطلق .نصر الله هذه الأمة بنصره , وهيأ لها امرا رشداً .
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/13 الساعة 09:34