مدار الساعة - خلصت دراسة صادرة عن جامعة “تافتس” الأميركية إلى أنّه رغم المضاعفات التي تصاحب الحياة الحضرية للعديد من اللاجئين في عمّان، إلا أنها تبقى مكانا مرغوبا، وذلك بسبب حرية التنقل والشعور بالكرامة التي توفرها المدينة للاجئين مقارنةً بالمخيمات والمناطق الريفية البعيدة عن الخدمات والمجتمع، بيد أن الدراسة تشير أيضا إلى أن بعض اللاجئين في العاصمة يجدون أنفسهم يعانون مما يسمى بـ”مأزق المواطنة” بسبب عدم حصولهم على حقوق المواطنة.
وبينت الدراسة التي نشرها موقع الأمم المتحدة بعنوان “مواطنون في مكان ما: دراسة حالة للاجئين في المدن- عمان”، أنه نظرا لأن طبيعة الهجرة قد تغيرت على مر السنين، ومع انتقال المزيد من الأشخاص من أي وقت مضى، فقد تغير معنى “اللاجئ” أيضا، ولم تعد هذه الكلمة تستحضر صور الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات مكتظة، وبدلاً من ذلك، أصبح اللاجئون يندمجون بشكل متزايد في النسيج الاجتماعي للمراكز الحضرية، ومثال ذلك العاصمة عمان.
وقالت الدراسة “منذ اندلاع الأزمة السورية العام 2012، تطورت بنية عمان، فأصبح هناك المزيد من المطاعم التي تقدم الطعام السوري، والمزيد من مطاعم “البرغر” التي تلبي احتياجات العدد المتزايد من عمال المنظمات غير الحكومية الغربية الذين يستخدمون عمان كقاعدة للعمل الإنساني أو البحث”.
و”تافتس” هي جامعة خاصة في مدينتي مدفورد وسومرفيل قريبة من مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأميركية ولديها أقدم برامج الدراسات العليا في العلاقات الدولية في البلد.
وفي الجانب الآخر، يتحسّر بعض الأردنيين على تغير طبيعة عاصمتهم، ويرون أن الأعداد المتزايدة من السوريين والعراقيين والسودانيين واليمنيين أدت الى تغير مدينتهم؛ حيث “لم يعد هناك شيء في عمان يشعر بالأردن”.
ومع ذلك، فإن بعض اللاجئين يشعرون بالامتنان للترحيب الذي تلقوه من الأردنيين من جهة، و”الغموض وعدم الوضوح” الذي أعطتهم مساحة للعمل تحت الطاولة وتجمع حياة جديدة لعائلاتهم من جهة أخرى.
وفي المقابل، يلاحظ آخرون التحديات التي يتعرضون لها للمضايقة والتمييز كلاجئين و”يريدون فقط العودة إلى ديارهم”.
ويرى التقرير أنّ الحكم بأن كانت المدينة قد تغيرت للأفضل أو للأسوأ تعتمد إلى حد كبير على من تسأل.
وأشار التقرير الى أن عمان كانت لسنوات في مركز لخدمة ودعم اللاجئين، فقد كان ملاذا لمجموعات مختلفة تهرب من الاضطهاد على مر التاريخ، من وصول اللاجئين الفلسطينيين بعد العام 1948 ومرة أخرى بعد العام 1967، إلى قبول اللاجئين العراقيين في أعقاب الغزو الأميركي للعراق في 2003، ثم تدفق اللاجئين السوريين، إضافة الى بدء لجوء عدد من السودانيين واليمنيين في الآونة الأخيرة، وكذلك تواجد العمال المهاجرين من مصر وغيرهم من دول أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
وتشير الدراسة الى أن بعض اللاجئين يجدون أنفسهم في “مأزق المواطنة”؛ حيث تمكنت مجموعات مختلفة من الحصول على درجات متفاوتة من حقوق المواطنة في بلدان إقامتهم، وعادة ما تكون مرتبطة بهويتهم الوطنية أو مدة وجودهم.
وقالت الدراسة “على سبيل المثال، تمتع الفلسطينيون بحقوق المواطنة في الأردن، لكنهم أيضا، ابتداء من العام 1988، واجهوا سياسات مغايرة”.
كما يتمتع العراقيون في الأردن، بحسب الدراسة، أيضا “بحقوق مواطنة منقوصة” استنادا إلى أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وقد تمكن العراقيون الأثرياء، كما تقول الدراسة، من شراء تصاريح الإقامة، ما يتيح لهم الوصول إلى فرص عمل وخدمات عامة أفضل في الأردن.
وبينت الدراسة أن العراقيين غير القادرين على تحمل تصاريح الإقامة ليس لهم وضع قانوني ويكونون عرضة للمضايقة والاستغلال والترحيل في بعض الأحيان.
ولم يتلق اللاجئون السودانيون والصوماليون واليمنيون، بسبب أعدادهم الصغيرة، مساعدة مماثلة للسوريين ويواجهون تحديات إضافية، مما يعيق اندماجهم، كما تقول الدراسة.
وقدمت تجارب ذاتية عن اللاجئين والمضيفين الأردنيين؛ إذ تمت الإشارة الى أنه على الرغم من المضاعفات التي تصاحب الحياة الحضرية للعديد من اللاجئين، تظل عمان مكانا مرغوبا فيه للعديد من مجموعات اللاجئين سعياً لتحقيق الاستقرار. وتعد حرية التنقل والشعور بالكرامة التي توفرها المدينة للاجئين بمثابة نقطة جذب، مقارنةً بمخيمات اللاجئين أو المناطق الريفية البعيدة عن الخدمات والمجتمع.
كما أن إنشاء شبكات من العلاقات الممتدة والصداقات، وخيارات إسكان أفضل، وإمكانية أكبر للوصول إلى الخدمات، وإمكانية العثور على عمل، تجعل عمان مكانا مرغوبا فيه للاجئين للحصول على الاستقرار وإعادة بناء حياتهم.
وأشارت الى أن الافتقار إلى الحقوق القانونية وحقوق المواطنة، و”الموقف المتردد للحكومة الأردنية”، ومقاومة السكان المحليين في اتخاذ خطوات ملموسة لتوفير هذه الحقوق للاجئين تشكل تحديات كبيرة.
وقالت “إن المساعدات الإنسانية، رغم أنها ضرورية، لا تلبي الاحتياجات طويلة الأجل للاجئين في المدن”.
وأكدت الدراسة أن التركيز على المساعدة الإنمائية الشاملة التي تشمل كلا من اللاجئين وأفراد المجتمع المضيف يمكن أن يساعد اللاجئين والمجتمعات المضيفة على التعامل بشكل أفضل مع وجود اللاجئين لفترات طويلة والضغط المصاحب على الخدمات والموارد.
وقالت “الفرصة للشباب الأردني واللاجئين للتغلب على الحواجز الداخلية والخارجية تكمن في التنمية طويلة الأجل والمساعدة النفسية والاجتماعية”.(الغد)