مدار الساعة - يشير العديد من المعطيات والتصريحات التي تتوالى منذ أيام، إلى أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية تتدهور خلال الفترة الأخيرة، حتى أنها بلغت "أسوأ لحظاتها" منذ توقيع اتفاقية وادي عربة للسلام عام 1994، على حد تعبير كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية عوفر زالزبرغ.
ووفقاً لزالزبرغ، الذي نشر سلسلة تغريدات على حسابه على موقع "تويتر"، أمس الأربعاء، للحديث عن العلاقات الأردنية الإسرائيلية فإن التراجع بلغ درجة عدم استقبال الملك عبد الله الثاني، اتصالات هاتفية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتتضمن تغريدات زالزبرغ، التي عبّر في جزء منها عن رأيه واستند في الجزء الثاني منها إلى ملاحظات أوردها الأربعاء رئيس جهاز "الموساد" السابق إفرايم هاليفي، الذي قاد المفاوضات الإسرائيلية - الأردنية في عام 1994، خلال مداخلته في مؤتمر شارك في تنظيمه معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي وخصص للحديث عن العلاقات الأردنية الإسرائيلية، 8 مؤشرات رئيسية تدلل على تردي العلاقات وتفسر أسباب ذلك.
وترتبط المؤشرات بتصريحات نتنياهو الأخيرة حول ضم غور الأردن، وإيقاف تنفيذ مشروع قناة البحرين، وعدم تجديد اتفاقية تأجير منطقتي الباقورة والغمر، وتجاوز صلاحيات الأردن بالإشراف على إدارة المقدسات في القدس المحتلة، وتطور العلاقات السعودية الإسرائيلية على حساب الأردن، وإدارة الولايات المتحدة ظهرها للأردن، واعتبار الحكومة الإسرائيلية حفاظ عمّان على العلاقة مع تل أبيب أمراً مسلماً به، وتجاهل خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن" للأردن.
وتدهور العلاقات بين الجانبين كان واضحا في خطاب جلالة الملك ، الثلاثاء، في الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي مقابلته مع "أس أن بي سي" الأميركية.
ومن أول أسباب تدهور العلاقات التي يتوقف عندها زالزبرغ نأي إسرائيل بنفسها عن مشروع الدولة الفلسطينية، وثانيها التوقف عن تنفيذ مشروع قناة البحر الميت (قناة البحرين)، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى تآكل عامل الثقة بين الطرفين.
كما يتطرق إلى مؤشر ثالث يتمثل في قرار الأردن عدم تجديد اتفاقية تأجير منطقتي الباقورة والغمر، اللتين استردهما الأردن إبان توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين عام 1994، معتبراً أن ذلك يأتي في خضم الهوة المتزايدة في العلاقة الدبلوماسية بين الجانبين. أما المؤشر الرابع فيرتبط بحقيقة أن الوضع في الحرم القدسي، والذي يديره وفقاً زالزبرغ "الأردن وإسرائيل بصورة مشتركة بحكم الأمر الواقع" منهار، مع تداعيات خطيرة.
في موازاة ذلك، ينقل زالزبرغ عن هاليفي، الذي يُرَجِح أنه "يحتفظ بوصول مباشر إلى القصر في عمان" قوله: "أرى خطراً كبيراً يهدد معاهدة السلام مع الأردن"، مشيراً إلى أن أسباب ذلك ومنبع تهديد الاتفاقية تأتي من الجانب الإسرائيلي وليس الأردني، وبسبب سياسات الحكومة الإسرائيلية على مرّ السنين الماضية، في ظل تفاقم الوضع الجيوسياسي في الأردن نتيجة للأحداث الإقليمية.
وبحسب هاليفي، فإن ما فاقم المشكلة أن الحكومة الإسرائيلية، لا تهتم بشكل حقيقي بالمحافظة على العلاقة مع عمان، والتي تعتبر حفاظ الأردن على العلاقة مع إسرائيل أمرا مسلما به، وأنه لا خيار أمام الأردن إلا بالاعتماد على إسرائيل، وهو أمر يفتقر إلى التحليل الحقيقي والمنطقي لهذه القضية وفق وجهة نظره، وهذا أمر يهدد اتفاقية السلام بين الطرفين.
كما ينقل زالزبرغ عن هاليفي قوله إن إعلان نتنياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة نيته ضم غور الأردن، يشكل تهديداً وجودياً للأردن ونظامه. ويتابع أن الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن" لا تحفظ للأردن على الأرجح أحقيته في إدارة الأماكن المقدسة، معتبراً ذلك أمراً قاسياً تجاه الأردن خصوصاً أن إسرائيل تتوافق مع هذه الرؤية، وهذا انتهاك صريح لمعاهدة السلام بين الجانبين، وعلامة أخرى على أن إسرائيل لا تهتم بالعلاقة مع الأردن.
كذلك قال إن هناك بعض الأمور التي تساهم أيضاً بتوتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية، ومنها أن الإدارة الأميركية في ظل رئاسة دونالد ترامب أدارت ظهرها للأردن، فمنذ سنوات لا يوجد سفير للولايات المتحدة في الأردن. وبالنسبة إليه فإن هذا الأمر خطأ فادح "سنقوم نحن في إسرائيل بدفع ثمنه". وأضاف: "أفترض أنه في الحوار بيننا (إسرائيل) وبين الوسطاء الأميركيين بشأن الخطة (صفقة القرن) كان يمكن لإسرائيل أن تثير الحاجة إلى أخذ (موقف) الأردن في الاعتبار حيال سلسلة من القضايا وبرأيي هذا لم يحدث".
وينتقد هاليفي "صفقة القرن"، مشيراً إلى أنها خطة هواة، وأنها تعكس من بين أمور أخرى التفكير السعودي. واعتبر أن العلاقات الإسرائيلية السعودية تأتي على حساب العلاقات الإسرائيلية مع الأردن، واصفاً ما يجري بأنه من بين أكثر العلامات إثارة للقلق، ومعرباً عن اعتقاده أن "العلاقات الإسرائيلية الأردنية مظلمة جداً جداً".
ويذهب زالزبرغ إلى تأييد توقعات هاليفي السلبية، داعياً الذين يعتقدون بأن رئيس الموساد السابق يبالغ لأن يتمعنوا في تصريحات الملك عبد الله الثاني، بما في ذلك رده حول خطط نتنياهو لضم غور الأردن، في مقابلته التي بثتها قناة "أم أس أن بي سي" الأميركية، الإثنين الماضي وإشارته إلى أن الأمر كان محيراً عندما صدرت هذه التصريحات.
وكان ملك الأردن قال في المقابلة أيضاً: "أنا لا آخذ التصريحات الانتخابية على محمل الجد بشكل عام، ولكن تصريحاً كهذا لا يساعد على الإطلاق. لأنه يقوم من خلاله بتسليم الخطاب لأسوأ الأشخاص في منطقتنا"، مضيفا: "إذا كانت السياسة المتبعة في إسرائيل هي ضم الضفة الغربية، فهذا سيكون له أثر كبير على العلاقات الأردنية الإسرائيلية وعلى العلاقات المصرية الإسرائيلية أيضاً، فنحن البلدان الوحيدان المرتبطان باتفاقيات سلام مع إسرائيل".
يذكر أن ملك الأردن انتقد السياسات الإسرائيلية خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك قوله إن "استمرار الاحتلال إلى يومنا هذا مأساة أخلاقية عالمية، فلا يمكن لاحتلال أو نزوح أو إجراءات تتخذ بالقوة أن تمحو تاريخ شعب أو آماله أو حقوقه، أو أن تغير الإرث الحقيقي للقيم المشتركة بين أتباع الديانات السماوية الثلاث"، قبل أن يضيف: "ما من شيء يستطيع أن يسلب حقوق الشعب الفلسطيني الدولية بالمساواة والعدالة وتحقيق المصير".
كما تحدث عن ضرورة رفض كل محاولات تغيير الوضع القانوني للقدس الشرقية والهوية التاريخية الأصيلة للمدينة المقدسة.
وبعدما أكد أن "حل الدولتين هو الحل الحقيقي الوحيد"، تساءل: "وإلا فما البديل؟ هل هي دولة واحدة تمارس سياسة الفصل العنصري بقوانين غير متساوية وتعتمد على القوة، وبالتالي تخون أهم قيم الساعين نحو السلام من كلا الطرفين؟ هذه وصفة لاستمرار الصراع، وليست السبيل نحو الأمن والاستقرار والسلام". العربي الجديد