مدار الساعة - نحو 99 طفلاً من فاقدي السند الأسري الملتحقين بدور الرعاية تم إثبات نسبهم وتسليمهم إلى أسرهم الطبيعية مقابل 250 طفلا آخرين تمكنوا من الاندماج في برامج العائلات البديلة بشقيها الاحتضان والأسر الراعية البديلة، خلال الفترة من العام 2016 ولغاية نهاية آب (أغسطس) الماضي، بحسب أرقام وزارة التنمية الاجتماعية.
وفي المقابل من هذا، شهدت حالات إثبات النسب للأطفال المولودين خارج إطار الزواج والداخلين إلى دور الرعاية ارتفاعا ملحوظا خلال الأعوام الماضية حيث لم يكن العدد تجاوز 6 أطفال في العام 2013، لكنه وصل بحسب إحصائيات الوزارة التي حصلت “الغد” على نسخة منها الى 30 طفلا العام 2016، ثم 27 العام 2017 و25 العام الماضي.
وفي العام الحالي بلغ العدد لغاية نهاية الشهر الماضي 17 طفلا، وسط توقعات بارتفاع هذا العدد مع نهاية العام ليصل الى معدل آخر عامين.
مدير الأسرة والحماية في وزارة التنمية الاجتماعية محمود الجبور يقول إن أعداد الأطفال من فاقدي السند الأسري عند الولادة (مجهولي الأبوين أو معروفي الأم ومجهولي الأب) الذين أتيحت فرص إعادة إدماجهم في أسرهم البيولوجية أو في أسر بديلة “ارتفع بشكل ملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية”.
ويؤكد أن “الأولوية لدى الوزارة هي إثبات نسب الأطفال وضمهم الى أسرهم الطبيعية وفي حال تعذر ضمهم إلى أسر بديلة توفر لهم الجو العائلي المطلوب لضمان نماء الأطفال في جو طبيعي يبقى الخيار الأخير الرعاية المؤسسية”، مشيرا الى أن الارتفاع في عدد حالات إثبات النسب يعود في جزء منه الى الخدمات الاجتماعية والقانونية التي توفرها دور الرعاية حيث يتم العمل على الخروج بالحل الأنسب بما يضمن مصلحة الطفل، وكذلك الى الاجراءات المتبعة في المحاكم الشرعية.
وبات قانون الأحوال الشخصية بعد تعديله أخيرا أكثر مرونة في قضايا إثبات النسب بما فيه مصلحة الوليد، حيث أعطى صلاحيات وسلطة تقديرية اوسع للقضاة الشرعيين في هذه القضايا، كما توسع القانون باستخدام فحص الحمض النووي لإثبات النسب وإعطاء صلاحيات تقديرية أعلى للقضاة.
وتعلق المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان” المحامية ايفا أبو حلاوة على هذه الأرقام بالقول إن “موضوع الحق بإثبات النسب مهم جدا لأنه يرتب الكثير من الحقوق كالنفقة والحضانة والميراث والأهم حق الشخص في أن يعيش ضمن أسرة لأن ذلك هو الأصل وليس الرعاية في المراكز وهو وضع استثنائي يجب أن يكون لفترة مؤقتة”.
وتتابع، “عدم معرفة الطفل لوالديه له أثر كبير على نشأته وصحته النفسية وعلاقاته الاجتماعية خاصة في منطقتنا، لذلك على الدولة أن تكفل هذا الحق”.
وتلفت أبو حلاوة إلى أنه في الأعوام الأخيرة كان هناك ضغط من أجل ضمان هذا الحق خاصة من قبل فئة الأشخاص فاقدي السند الأسري أنفسهم الذين بدأوا بتعريف المجتمع بقضيتهم والضغط على المسؤولين وبدأ المجتمع بالتعاطف معهم والتحرك للفت نظر منظمات المجتمع المدني”.
وتشير الى تزايد الوعي بين العاملين في المؤسسات ووزارة التنمية الاجتماعية لجهة كيفية متابعة إجراءات إثبات النسب والقيام بدورهم لما فيه مصلحة الطفل، مراعاة لتوصية لجنة الأمم المتحدة للاردن في هذا المجال، بموازاة التشريعات المتعلقة بإثبات النسب وأهمها قانون الأحوال الشخصية والذي تم تعديله العام الحالي وأجازت المادة 157 منه الأخذ بالوسائل العلمية، وكذلك قانون أصول المحاكمات الشرعية الذي أوجد وظيفة المدعي العام الشرعي الذي له صلاحيات متابعة هذه القضايا، الى جانب قانون الأحوال المدنية الذي ينظم مسألة اصدار شهادة الميلاد والذي يوجب الحصول على قرار قضائي من القضاء النظامي خاصة عندما يزيد عمر الطفل على سنة.
على أنه يجب النظر بكثير من الاهتمام الى “الأثر السلبي الناجم عن التعرض للتمييز والتهميش الذي قد يعاني منه الأطفال نتيجة عدم إثبات نسبهم”، بحسب ابو حلاوة التي تشدد على ضرورة أن يتحمل الآباء والأمهات المسؤولية تجاه أولادهم، معربة عن أملها في أن ينظم قانون حقوق الطفل حقوق الاطفال فاقدي السند الأسري بشكل تفصيلي وتحديدا في المسائل المتعلقة بمن سيقوم برعاية هؤلاء الأطفال، وأن يفرض الجزاء على من يقوم بالتمييز ضدهم وأن يكون قانونا محددا ومفصلا يركز على قاعدة أن حقوق الأطفال هي الأولى بالرعاية.
الاحتضان والأسر الراعية البديلة
وفي مقابل أعداد الأطفال الذين أعيد دمجهم مع أسرهم الطبيعية فقد تم تحضين نحو 66 طفلا لعائلات محتضنة في الفترة من 2016 الى العام 2019، اذ وبحسب احصائية الوزارة، فقد تم تحضين 18 رضيعا العام 2016 و14 العام 2017، و19 طفلا العام الماضي واخيرا 15 طفلا العام الحالي حتى نهاية الشهر الماضي.
ويبين الجبور أن الاحتضان يكون للأطفال مجهولي الأب والأم، حيث يتم تحضين الطفل الى أسرة بديلة بقرار من قاضي الأحداث بعد أن يكون قد مضى على وجود الطفل في مؤسسة الحسين الاجتماعية نحو 3 أشهر للتأكد من عدم مطالبة أسرته البيولوجية به.
ولمواجهة الإشكالية المتعلقة بالأطفال معروفي الأم ومجهولي الأب، يبين الجبور أن الوزارة استحدثت برنامج الأسر الراعية البديلة وهو برنامج يوفر الرعاية الاسرية للأطفال الذين لا تنطبق عليهم شروط الاحتضان بحيث تكون تلك الرعاية إما مؤقتة لحين لم شمل الطفل مع أسرته الطبيعية أو دائمة في حال تعذر ذلك.
وفي العام 2016 تم دمج نحو 49 طفلا في اسر بديلة ليرتفع العدد الى 76 العام 2017، وانخفض لاحقا الى 26 العام الماضي، وعاود الارتفاع الى 33 طفلا خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي.
وحول ارتفاع الأعداد خلال العام 2017، يوضح الجبور أن السبب في ذلك يعود الى أن الاعداد الكبيرة من الاطفال الذين كانوا في المؤسسات خلال أعوام ماضية وانطبقت عليهم شروط الأسر البديلة تم دمجهم مع اسر بديلة، لافتا في ذلك الى وجود عدد كبير من العائلات على قوائم الانتظار للاحتضان وتقديم رعاية اسرية بديلة.
وفي مقابل الارتفاع المطرد بأعداد الأطفال الذين يتم اثبات نسبهم، فإن الارقام تشير الى ثبات في أعداد الأطفال الداخلين الى الدار ضمن فئتي المولودين خارج اطار الزواج (معروفي الام ومجهولي الأب) أو فئة مجهولي الأبوين.
وبلغ عدد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج والداخلين الى دور الرعاية 252 طفلا خلال الفترة من عام 2016 الى العام 2019، في حين بلغ عددهم 276 طفلا خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2015.
وفي التفصيل بلغ عدد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج العام الحالي نحو 62 طفلا، 65 العام الماضي، و59 العام 2017، 66 العام 2016، 64 العام 2015 و67 العام 2014 و73 العام 2013 واخيرا 71 طفلا في العام 2012، وفي مقابل ذلك بلغ عدد الاطفال مجهولي الأب والأم الذين ولدوا في الفترة بين 2016 و2019 نحو 68 طفلا، موزعين على 14 طفلا العام الحالي، 30 طفلا العام الماضي، 8 اطفال العام 2017، و16 طفلا العام 2016.
وفي المقابل بلغ عدد نفس الفئة من الاطفال (مجهولي كلا الوالدين) الداخلين الى دور الرعاية في الفترة ما بين العام 2012 و2015 نحو 97 طفلا موزعين على النحو التالي: 15 طفلا في العام 2015، 22 العام 2014، 35 طفلا العام 2013 واخيرا 25 طفلا العام 2012.
المادة 308 لم توفر حماية للنسب
وفيما يتعلق بأثر الغاء المادة 308 من قانون العقوبات والتي تعفي الجاني من العقوبة في حال زواجه من ضحية الاغتصاب فيما يخص أعداد الاطفال الداخلين الى الدار تحت مسمى “مولود خارج اطار الزواج” وأعداد الأطفال الذين يتم اثبات نسبهم، أكد الجبور أن “قياس أثر أي مادة قانونية يتطلب مدة زمنية طويلة في أدناها الى 5 أعوام، كي تكون المقارنة علمية”، مبينا أن “رصد هذا الاثر يتطلب دراسة عملية موثقة تفصل الحالات وأسبابها”.
وأضاف “بشكل عام فإن أعداد الأطفال الداخلين الى الدور متقاربة والاختلافات بين السنوات بسيطة ولا تعكس تغيرا جوهريا”.
وتتفق الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس مع الجبور بأن قياس أثر التعديل التشريعي لا يتم الا بعد خمسة أعوام، مؤكدة في الوقت ذاته الجانب المتعلق بعدم وجود أي علاقة بين التشريع المتعلق بالعقوبة على الجاني في جرائم الاغتصاب وبين الجزئية المتخصصة بإثبات النسب وهي الواردة في قانون الأحوال الشخصية”.
وتلفت إلى أنه تم رصد العديد من الحالات، وتبين أن الجناة يقبلون بالزواج للإفلات من العقوبة ويرفضون إثبات نسب الطفل، فضلا عن الحالات التي تعتبر مواقعة رضائية بين بالغين ويكون بها كلا الطرفين رافضا لإثبات نسب الطفل أو رعايته.
وتؤكد النمس ضرورة حماية حق الطفل بالنسب، لافتة في ذلك الى الأخذ بالوسائل العلمية بإثبات النسب الذي باتت تستخدمه المحاكم الشرعية وهو الأمر الذي ترسخ بعد تعديل قانون الأحوال الشخصية.
من جانبها، ترى المحامية هالة عاهد في احصائيات وزارة التنمية الاجتماعية “أنها دليل على ان المادة 308 لم تكن يوما حلا الا للجناة للإفلات من العقاب”، مبينة أن “الارقام تدلل على أن ادعاءات المطالبين بإعادتها لحماية حق الأطفال في النسب لم تكن صحيحة وواقعية خصوصا أن المادة الملغاة من قانون العقوبات لم تتضمن أي شيء يخص إثبات النسب أو إجبار الجاني على إثبات نسب طفل له”.
وتتابع عاهد أن المطلوب اليوم وضع حزمة اجراءات توفر الحماية للأطفال بقبول إثبات النسب بالأدلة العلمية وإن لم يكن هناك زواج أو تسهيل إجراءات للإجهاض في حالات الاغتصاب أو سفاح القربى أو الأخذ بالإجراءات الوقائية اللازمة لمنع الحمل في حالات الاعتداءات الجنسية”. (الغد)