مصدر الرسالات السماوية سواء أكانت يهودية أو مسيحية أو إسلامية واحد هو الله سبحانه وتعالى والمُبَلِّغْ من السماء للرسل والأنبياء هو جبريل عليه السلام رئيس الملائكة. ومن إطلع على ما نادوا فيه الرسل والأنبياء هو المثل العليا والخلق الحسن وتطبيق تعليمات الله ورسله لما فيه خير الإنسانية أجمع، وبغض النظر عن رسالة الإنسان السماوية. ولكن أستطيع أن أحكم على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله كمسلم أكثر مما جاء في الكتب السماوية الأخرى بحكم أنني مسلم، ولكن كمسلم أمرني الله في كتابي العزيز أن أؤمن بالكتب السماوية والرسل السابقين (الم، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( البقرة: 1-5))، ولا نُفَرِق بين أحدٍ من رسل رب العالمين ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(البقرة: 285)).
فهذه الآيات واضحة في معانيها لكل من يقرأ كتاب الله القرآن الكريم. ولهذا فعلينا جميعاً كمسلمين أن نتدبر ما جاء في جميع القرآن الكريم بشكل تفصيلي كما طلب منا الله سبحانه وتعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء: 82)). ولكن في المقابل هناك كثيراً من الناس لا يريدون تدبر القرآن وقلوبهم مقفلة فهؤلاء ما لنا ولهم ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد: 24)). في عام 2003/2004 قسم الله لي أن أخدم في جامعة خاصة في مملكة البحرين وقد حصلت على منصب عميد الكلية ... إلخ فيها وكانت لي سكرتيره محترمة جداً وصاحبة أخلاق عالية وعلى دين.
وكان عندي في المكتب فَرَّاشِين من الهندوس وحارس أمن على باب مكتبي، وكانوا يعملون بصمت ودون أي مضايقات وحاضر سيدي، حاضر سيدي. فكنت أرأف عليهم وأقدم لهم الأطعمة والمشروبات والحلويات ... إلخ لأكثر من مرة. ويوماً من الأيام طلبت مني سكرتيرتي أن تتحدث معي فقلت لها على الرحب والسعة. فقالت لي: دكتور ممكن أسألك سؤال، فقلت لها: تفضلي، فقالت: كيف يا دكتور تقدم الأطعمة والمشروبات والحلويات ... إلخ لهؤلاء الهندوس الكفرة. فقلت لها: سوف أسألك سؤال إن أجبتيني عليه بشكل منطقي ومعقول سأستمر في الحديث معك وإلا فلا وهو: من خلق هؤلاء الهندوس هل الله خالقنا أم غيره. فأجابت: بالطبع الله خالقنا. فقلت لها: أحضري ورقة وقلم والقرآن الذي في مكتبك وإجلسي من أجل الحديث بشكل مفصل ففعلت.
فقلت لها: يتضح لي من كلامك معي عن الهندوس أنك لم تقرأي القرآن وتتدبريه فإرجعي إلى الآية (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (هود: 6))، أي ما خلق الله دابة تدب على الأرض إلا وتكفل برزقها فالله قسم لي أن أعمل بمملكة البحرين حتى أقدم للهندوس رزقهم الذي قسمه الله لهم. فقالت: لماذا خلق الله هؤلاء الكفرة؟ فقلت لها الجواب في الآية ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(التغابن: 2)) وفي الآية (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (السجدة: 13))، فالله هو الذي خلق الكافر والمؤمن وحق قوله ليملآن جهنم منهم ولا يحق لنا أن نعترض على أمر الله (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(الأنبياء: 23)). فقالت: يا دكتور هل هناك شيء آخر تريد أن تخبرني به؟ قلت: نعم وهو أن الله خلق كثيراً من الجن والإنس الأنعام أفضل منهم (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأعراف: 179)). وكما أن هناك كثيراً من الناس تكلمهم وتنصحهم وترشدهم فلا فائده ترجوها منهم فهم أضل سبيلاً من الأنعام (أمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان: 44)).
فبعد أن كتبت كل شيء على الورقة التي معها بالسورة ورقم الآية، قالت: يا دكتور وكأنني أسمع هذه الآيات لأول مرة. فقلت لها: هذا هو تدبر القرآن الذي طلبه منَّا رب العزة والجلالة وليس فقط قراءته على الماشي ونختمه أكثر من مره دون أن نستفيد مما يقوله الله ويطلبه منَّا في آياته. فقالت: دكتور بلال، بصراحة لأول مرة في حياتي يحدتني إنسان مثل أفضالك في القرآن ويقنعني، فأنا الآن قد إستفدت منك كثيراً وسأحسن للهندوس وغيرهم من خلق الله. فقلت لها: أشكرك على إستيعابك لكل ما وضحته لك وأتمنى لك التوفيق. فأصبحت تحسن للهندوس في الجامعة. والهندوس الذين يعملون في مكتبي أخبروا بقية الهندوس عن تعاملي معهم الطيب من أعضاء هيئة تدريس وغيرهم وكانوا جميعاً لطيفين معي. لدرجة عندما عزمت على العودة للأردن حضروا لوداعي وبكوا. فالدين المعاملة وليس بالصلاة والصيام ... إلخ فقط. وحتى سكرتيرتي بكت كذلك وقالت: يا ريت يا دكتور تبقى عندنا. قال لي رئيس الجامعة في حفلة الوداع: لو حضرت عندنا قبل أربع سنوات لحصلت لك على الجنسية البحرينية كما أضاف قائلاً: لو بقيت عندنا لأدخلت الهندوس بالإسلام.