بقلم: أ.د. عدنان المساعده *
2. أن النتائج تشير إلى وجود إزاحة واضحة في المعدلات حصلت لصالح الطلبة الذين تقع علاماتهم في وسط المنحنى الطبيعي احصائيا الى معدلات عالية مقارنة مع السنوات السابقة، وكانت هذه المعدلات أقرب ما تكون إلى جهة المنحنى الطبيعي الذي يمثل العلامات العالية.
3. من وجهة نظر أكاديمية وتربوية أن الطلبة المتميزين مهما تغّيرت آلية الإمتحان ومدى صعوبة الأسئلة سيحققون معدلات عالية جدا تتجاوز 97% كما هو الحال في السنوات السابقة، ولكن آلية الامتحان وتوزيع العلامات التي اُتبعت هذا العام وربمّا سهولة الامتحان وطريقة التصحيح أدت الى ظهور نتائج عالية للطلبة أعتقد لو أنها راعت الفروق الفردية في مستويات الطلبة لما كانت هذه الأعداد التي حصلت على معدلات 90% فأعلى التي تجاوزت 12000، الأمر الذي قلّص الفجوة في المعدلات العالية حيث أن هناك أعدادا كبيرة حصلت على معدل 97% فأعلى وكان معدل العشرة الأوائل في الفرع العلمي مثلا لا يقل عن 99.9% .
4. تطرق بعض التربويين والكتّاب إلى أن الحصول على العلامة الكاملة يمكن تحقيقه في أنظمة امتحانات عالمية، وهذا صحيح، ولكن أنظمة الامتحانات العالمية لا تحقق نسبا عالية من معدل العلامات المرتفعة بنفس النسبة التي تحققت في نتائج امتحان الثانوية العامة لهذا العام.
5. وللمقارنة مع الامتحانات المماثلة لامتحان الثانوية في عدد من بلدان العالم نجد ان نتائج هذا الامتحان قد تلتقي مع نتائج امتحانات بعض الدول في منطقتنا العربية التي يحقق طلبتها علامات 100%، وأذكر هنا وبمنتهى الوضوح أن قسما من الطلبة الذين درسوا في الأردن في سنوات سابقة، وكان مستوى تحصيلهم متوسطا أو ضعيفا ذهبوا إلى تلك الدول وحقّقوا علامات قريبة من العلامة الكاملة، وعادوا للدراسة في جامعاتنا الحكومية حيث لم يتمكنوا من اتمام دراستهم الجامعية بنجاح، وأعتقد أن الأكاديميين يدركون تماما ماذا تعني العلامة العالية في الثانوية العامة من تلك الدول التي لا تعكس مستوى حقيقيا لتلك المعدلات. وللمقارنة أذكر نسب النجاح وأعلى معدل في امتحان الثانوية في عدد من الدول العربية وهي تونس: 30% (أعلى معدل 98.7)، المغرب: 50.3% (أعلى معدل 97.2) ، سوريا: 50.2% (أعلى معدل 96.6)، الجزائر: 56.1% (أعلى معدل (94.5% ، السعودية: 91.5% (أعلى معدل 100 )، موريتانيا: 8.7% (أعلى معدل 86.4).
6. ان عددا كبيرا من الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في الامتحان في السنوات السابقة ذهبوا للدراسة خارج الاردن في دول شرقية، وفي منطقة الاقليم وكلفتهم مبالغ باهظة من رسوم واقامة من اجل الحصول على علامات عالية علما ان هذه المدارس التي درسوا فيها هدفها التجارة والربح وليس التعليم والمعرفة وعندما عاد قسم منهم للدراسة في المملكة فقد اخفق في دراسته الجامعية.
7. ان المؤشر الحقيقي لهذه العلامات كونه حالة غير مسبوقة لا يمكن القياس عليه الآن، وأن ما نخشاه ان يصدم قسم من الطلبة الذين حققوا علامات عالية في الثانوية العامة بواقع مختلف من حيث التحصيل العلمي عند التحاقهم بالجامعة، ولا اريد هنا أن اثبّط من عزيمة ابنائنا الطلبة، ولكن هذا الأمر متوقع حدوثه.
8. وحرصا على مصلحة أبنائنا الطلبة وبسبب تضخم هذه العلامات، أتساءل كما يتساءل الكثيرون اين سيكون مصير الطلبة الذين نجحوا ضمن المعدلات من 65-80 % في حال لم يحصلوا على قبول ضمن قائمة التنسيق الموحد في الجامعات الحكومية أو في برنامج الموازي أو في الجامعات الخاصة ممن لديه إمكانيات مادية للالتحاق بها، سيمّا وان هناك طاقة استيعابية للتخصصات التي تحددها هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وأن اعداد الطلبة قد تفوق الطاقة الاستيعابية المسموح بها، أم أن هناك حلولا في ذهن مجلس التعليم العالي الموقر لم يتم الاعلان عنها لمعالجة ذلك.
11. ان هذه النتائج غير المسبوقة لا تخدم ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية، وكذلك لن تسهم في تنظيم سوق العمل للخريجين ضمن نسق تدريجي بتقليص الدراسات الاكاديمية النظرية والتركيز على الدراسات المهنية التطبيقية، حيث أن التضخم في ارتفاع المعدلات سيدفع هؤلاء نحو دراسات اكاديمية نظرية التي اصبحت معظمها راكدة ويعاني خريجوها من البطالة.
وخلاصة القول، أن هذه النتائج غير المسبوقة بحاجة إلى تحليل أكثر عمقا من قبل مختصين لدراسة الانعكاسات المرتدة التي قد تحدث مستقبلا والتي قد تنعكس أيضا على مسارات التنمية في بلدنا الذي يعاني من شح الموارد ومن ضعف الامكانيات على مستوى دخل الاسرة وعلى مستوى مختلف القطاعات في الوقت الذي نجد فيه ان قطاعي الزراعة والصناعة في بلدنا يواجهان تحديات كبيرة، وأن الاستثمار الحقيقي يكون في هذين المحورين إذا ما أعدت الخطط السليمة المستندة الى قاعدة من المعرفة والخبرة والمتابعة، وأن توجيه مخرجات التعليم في هذا الاتجاه يجب أن يكون من أولى الاولويات، وذلك بضبط العملية التعليمية التي تركّز على التعليم النوعي الحقيقي، وليس على تضخم معدلات لم يعهدها نظامنا التعليمي من قبل، مع ضرورة الاهتمام بملف التعليم التقني والمهني الذي نحن كمجتمع في أمس الحاجة إليه في خطط التنمية والذي سيسهم إذا ما تمت إدارته بطريقة وازنة ومدروسة في تخفيض نسبة البطالة وتوفير فرص العمل وتقليل العمالة الوافدة في الكثير من القطاعات ومنها الانشاءات والزراعة التي ستوفر مبالغ من العملة الصعبة تعتبر دخلا مضافا ومضاعفا الى موارد الدولة.
لقد أردت من هذا التحليل مراعاة كل أبعاد هذه النتائج التي جاءت فوق التوقعات، وللحفاظ على هيبة الامتحان الممتد على مدى أكثر من سبعين عاما لأن مصداقية هذا الامتحان هي الحصن الواقي لنظامنا التعليمي من أية تصدعات قد تحدث لا سمح الله، وأن المراجعة تقييما وتقويما لهذه النتائج ليس من الممنوعات اذا كان ذلك يصب في مصلحة نظامنا التعليمي وتطويره الذي يؤثر بشكل مباشر في مستقبل مسارات التنمية في بلدنا.
وختاما، بوركت كل الجهود المخلصة التي تصيب أحيانا وقد تخطيء أحيانا أخرى ولنبقى جميعا في خندق الوطن الاكبر منا جميعا دون ان نعرض نظامنا التعليمي للصلابة فيكسر أو للين فيعصر، وأن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة في وقت لا ينفع فيه الندم والله من وراء القصد.