انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الرواشدة يكتب: الحرب مع الذات.. أخطر

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/01 الساعة 19:23
حجم الخط

بقلم: أوس حسين الرواشدة

منذ بداية التاريخ والأمم والشعوب، تخوض الحروب والمعارك فيما بينها ، فدولة تحتلُّ دولة أخرى، وأمّةٌ تتوسّع على حساب أممٍ غيرها ، خُذ على سبيل المثال ، حروب العرب والمسلمون ضدَّ غيرهم ، وأيضا الاستعمار الغربي للمشرق العربي وشمال أفريقيا، لكن تبقى جميع تلك الحروب " تقليدية " بمعنى وجود المُنتصر والمهزوم فيها ، وحتى المهزوم فيها ، يستطيع الحفاظ على " بقائه " وعلى " عافيته " والعودة لردِّ الهزيمة لخصمه ، لكن ثمّة حروب ليس فيها أيّ نصر لجميع الأطراف، وهي الحروب التي تكون بين أبناء الوطن الواحد ، وأتباع الدين الواحد ، والقومية الواحدة أيضا ، فالجميع في تلك الحروب ، مهزوم .

وُجدت القَبَلية العربية منذ آلاف السنين، وهي التي حكمت مجتمعاتنا في قديم الزمان ، والعِرق النابض للقبيلة هو انتماؤها لأرضها والرغبة في توسيعها ، فتغدو مجموعة من القبائل مُتلاحمةً فيما بينها تحارب قبائل أخرى رغبةً في الحصول على خيراتٍ أكثر ونفوذٍ أشمل من خلال زيادة رُقعتها الجغرافية ، ومن أجل أهداف سياسية أيضا ، وبقي هذا الحال لآلاف السنين، إلى أن جاء الإسلام ، فوحّد فيما بينهم ، فأزال بذلك " تقريبا " أول مظهر من مظاهر الطائفية وهي "التعصّب"، فبقدوم " الدين المُوَحِّد " قلَّت أهمية التعصّب للأرض وأهمية الانتماء لها إذا ما قورنَت بأهمية الانتماء للدّين .

إنَّ ظهور فكرة " الدّين المُوَحِّد " - أيُّ دين - كان " يُفترَض " أن تكون حلّاً "لصراع" الكراهية عند البشر عن طريق " توحيدهم " تحت رايةٍ واحدة ، لكن أدى اختلاف " فهم " هذا الدّين واختلاف تطبيقه إلى بروز ظاهرة " الفَرز والصراع " فأصبح تحت ظلِّ الدّين الواحد ، الكثير من الطوائف والمذاهب ، ففي الإسلام ظهرت طوائف عدّة أشهرها السنّة والشيعة والدُرزية ، وفي المسيحية ظهر الأرثادوكس والبروتستانت .

في العصر الحديث ، نشهد سجالاً كبيرا في أوساط التابعين لطائفة أو مذهب معيّن ، وفي مجتمعنا العربي كانت تلك شرارة " الحروب " والتمييز فيما بينا ، فأتباع طائفة واحدة يَرَون أنفسهم أنّهم الأصحّ بين تلك الطوائف ، ففي جميع الدول العربية ، هناك نزاعٌ " مشتعلٌ أو خامد " بين تلك الطوائف ، فما حصل في سوريّا واليمن مثلاً ، من حروب بين أتباع الطوائف المختلفة ، أدت إلى إنهاك " جسد " الدولة وتمزيق الرابط الاجتماعي بين الناس ، وجعل تلك البلاد ، بمثابة " مهرجان " يستعرض فيه الأجنبي قوتّه العسكرية .

الدّين وطوائفه ليست الدافع الوحيد لصراع " الذات " فيما بيننا ، فعندما ندقق أكثر ، نجدُ حروبا " قومية " قامت لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية ، كغزوِّ العراق للكويت عام ١٩٩٠ ، لكن ما نراه اليوم يعكس آثار حرب " الذات " بين الدول التي تنتمي لنفس القومية ، وما ينتج عنها من كراهية وحِقد تجاه بعضنا ، تفتح الباب لطرفٍ ثانٍ ليكون حَكَماً يبحث عن مصلحته بين أراضينا ، ليكون الجميع مهزوم فيها .

مع نهاية الاستعمار العسكري الغربي للعربي بدأ الغزو الثقافي يؤخذ شكل استعمار جديدا ، ومن تحت عباءته خرجت حروب " بلا ذخائر عسكرية " ، حروب " ناعمة " تعتمد على صراع " الأفكار " ، والتي تنتهي عادةً بالفُرقة وتقسيم فئات الوطن الواحد إلى فئات عديدة ، كغيرها من حروب "الذات" ، تنتهي " بخسارة " الجميع.

الحرب مع الذات أخطر من أي حرب ، لأنّها لا تحمل بين أحداثها إِلَّا الخراب والدمار ، فإذا تمكّن المُستعمر فعلاً من القيام " بسايكس بيكو فِكرية" ، جعلت " مصارين البطن تتعارك " ، أو إذا كانت الطائفية مُجرّد " حُجّة " للوصول إلى أهداف سياسية واقتصادية ، أو مهما يَكُن السبب ، الجميع في حربنا مع ذاتنا مهزوم .

مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/01 الساعة 19:23