ابقلم: طارق زياد الناصر
من المهم الحديث عن عوامل نجاح فيلم الفيل الازرق بجزئه الثاني على المستوى الجماهيري والمهني بعيدا عن عالم الايرادات والارباح على اهميتها، فقد رافق توليفة النجوم الاستثنائية واسماءهم اللامعة موسيقى تصويرية استثنائية وبارعة، ونص بقدر ما هو غريب ومتشابك بقدر ما هو مميز ونوعي وجاذب حافظ على جوهر روائيته بجهد اخراجي لم يحوله لمادة تجارية بحتة.
الموسيقى التصويرية التي ابدعها الموسيقار هشام نزيه في الفيلم جعلت منه لوحة موسيقية من نوع خاص ونكهة مختلفة، وقد اختلفت تماما عن موسيقى الجزء الاول الجميلة لتكون جزءا اساسيا من الاحداث وتساهم في صناعة الحبكة القصصية التي يحبها الجمهور مع مشاهد سينمائية نوعية، وربطت اذن المشاهد بعينه حتى لا تكون عنصرا اضافيا او هامشيا فحسب، ناهيك عن صوت انساني حساس ومميز استخدمه نزيه كأداة موسيقية وهو امر يتقنه القليل من الموسيقيين الكبار في العالم العربي وتفتقده الساحة الموسيقية عموما، اضف لذلك الايقاع المتوازن و ابداعية النقل الموسيقي بين الواقع والعوالم الافتراضية التي قام عليها الفيلم اصلا.
رغم مشاهدتي للجزء الاول من الفيلم واعجابي به الا انني لم المس فيه نفس القدر من الابداعية التي لمستها في هذا الجزء، فعلى سبيل المثال كان دور الفنان خالد الصاوي البسيط من حيث الظهور والاساسي من حيث النص والحبكة دورا عالميا ويستحق ان ينقل الفيلم والفنان الى منصات التتويج في كبرى مسابقات ومهرجانات السينما العالمية، فقد صنع الصاوي لوحة متعددة الالوان جسدت حالة درامية قائمة على الالم والبساطة والعنف والفكاهة في مشهد واحد خاطفا جوهر احساس المتابع الى عالمه الدرامي النوعي والى الحالة الانسانية التي يجسدها وهو ما لا يستطيع اي ممثل اتقانه خاصة على شاشات السينما وامام كاميراتها.
يضاف الى ذلك صراع الموت والحياة و ابداعية انتقال الفنان كريم عبدالعزيز بطل الفيلم من الحياة الى الموت الافتراضي من اجل رسالة الطبيب السامية اولا فالبحث عن الحقيقة ومن ثم ليقف في وجه الموت الذي يحيط مشاهد الفيلم من كل ناحية، فالدكتور يحيى الذي يختار الموت من خلال حبوب الفيل الازرق (افتراضيا) هو تارة شخص فاقد للهوية وتارة اخرى اب محب باحث عن السعادة ومرة طبيب نفسي ثم مرة اخرى شخص يمكن تسميته بالمريض النفسي، وكما ابدع الكاتب في ايضاح تصوير هذه الصراعات بين الموت والحياة وبين السعادة واليأس ابدع كريم في تجسيد صورة الفارس الذي يحارب من اجل حياة الاخرين، وربما رسم شخصية تحمل من القوة والشجاعة ما يجعلها محط انظار المتابعين.
تميُز كريم عبدالعزيز وخالد الصاوي في الفيلم لم يفقد باقي النجوم القهم ومساحتهم الخاصة، فقد ناورت نيلي كريم من خلال الشخصية التي ادتها للوصول الى قلوب الجماهير وقدمت الحس الانساني من خلال شخصية الزوجة العاشقة والام المحبة التي تقاوم كل ما يمر بها من صعاب لتحافظ على واقعها الذي صنعته، وابدعت هند صبري في الانتقال بين زمن واخر ومن شخصية الى اخرى ونقل المشاهد من احساس الى اخر بسلاسة رسام يخلط الالوان بريشته الهشة ليحولها لمعنى عميق تحمله لوحته، فسمح دور هند صبري لها التغلب على شخصية خالد الصاوي في الجزء الاول، ودخلت نيلي وهند باب المنافسة على الدور الافضل في الفيلم الذي لا يمكن ان يحوزه فرد دون المجموعة المبدعة، خاصة بوجود النجم الاردني اياد نصار والنجمة شيرين رضا والنكهة الخاصة التي اضافاها الى العمل.
ابداعية الفريق كان خلفها نص روائي يديره سينمائيا كاتب الرواية المبدع احمد مراد، ومخرج شاب بحجم مروان حامد الذي لم يقدم حتى الان عملا عاديا او دون المستوى، فكانت نجومية من خلف الكواليس كنجومية ابطال العمل واسمائهم معرض حديث الشارع المصري من عشاق السينما واستطاع حامد وهو خلف الكاميرا نقل جمهور الفيلم الى اوراق مراد العميقة واضفى كلاهما سحرا خاصا للعمل الادبي عندما يدخل السينما.
خلاصة القول السينما المصرية ما زالت الرائدة في العالم العربي وهي تقدم النوع بقدر ما تقدم من كم، ونحن بحاجة حقيقية لأعمال تحاكي ما يقدم عالميا، وهو ما استطاع فيلم الفيل الازرق(2) تحقيقه ليكون نموذجا سينمائيا يمكن استنساخه عربيا للوصول نحو العالمية وبجهود شبابية، وسيحاكي الفيلم عن وصوله دور السينما الاردنية ذائقة جمهور السينما الاردني وسيحظى بنجاح جماهيري في الاردن والعالم العربي، وسيتمكن الاردنيون من مشاهدة الفنان المحبوب اياد نصار وهو يضع في مكتبته عملا ابداعيا جديدا وانجازا اضافيا لقائمة انجازاته الفنية، واتمنى على فريق عمل الفيلم عدم انتاج جزء ثالث كما بدأنا نسمع على الاقل في المرحلة الحالية، وربما عليهم الانتقال الى تجربة جديدة من نوع اخر لنثري ارشيفنا السينمائي العربي بإبداعاتهم.