انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

قصة امرأة يمنية تحدت السرطان في الأردن

مدار الساعة,أخبار خفيفة ومنوعة,بنك الدم
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/18 الساعة 11:12
حجم الخط

مدار الساعة – يروي الدكتور باسل باوزير لـ "مدار الساعة" قصة امرأة يمنية تحدت مرض السرطان في الأردن:

يقول باوزير:

اليمنيون.. أصحاب إرادة صلبة تستند إلى رافعة تاريخية عمرها آلاف السنين.. وهذه قصة لامرأة يمنية في الأردن عرفتها محبة للناس ومد يد الخير لهم.. وقد رأيت ذلك منها في مواطن كثيرة.. أروي لكم حكايتها على لسانها مع مرض السرطان كيف صارعته وصارعها.. لتعرفوا أي النساء كانت هي.. إليكم صورة من صور إرادة الشعب اليمني الذي يصر البعض على اختبار إرادته.

في ديسمبر 2015 ذهبت مع صديقة إلى مركز الفحص المبكر في عمَان لاجراء فحص دوري لها، والحمد لله طلعت نتيجتها جيدة ولا يوجد لديها اورام. وكنت وعدتها ونحن في صالة الانتظار بأنني سأجري الفحص أيضا ان شاء الله في اقرب فرصة ممكنة. ومرت الايام ولم اتذكر هذا الامر الا في شهر مايو 2016، حيث ذهبت لمركز الفحص المبكر وأجرت لي الطبيبة فحوصات أولية وأخبرتني حينها أن لا شيء ظاهر وأن فحصي مطمئن ونصحتني اذا أردت الاطمئنان أكثر أن أجري فحِص الميموجرام، غير انني رأيت أن ذلك هدر للمال ـ فطالما قالت الطبية أن كل شي على ما يرام فما لزوم أن أعمل فحوصات أخرى.

ومرت الايام.. وفي اغسطس 2016 راجعت طبيبة نساء لأشكو لها من بعض الاضطرابات فأجرت لي الفحوصات ولم يكن هنالك شيء مقلق فيها سوى ان معدل الهيموجلوبين في دمي وصل الى 16.5 وهو معدل مرتفع للنساء، ومنها قررت مراجعة طبيبة باطنية، وهي أيضا قالت لا شيء ظاهر ولا يوجد ما أشكو منه أي أسباب عضوية وسألتها هل ارتفاع نسبة الدم له سبب معين، فأجابت لا.. فرغبت أن أتبرع بجزء من دمي لعل ذلك يخفف عني ما أشعر به من انزعاج لم يتمكن الأطباء تحديد سبباً له.

وفعلا ذهبت لبنك الدم للتبرع بدمي، وللأسف حين علموا باني قد أجريت سابقاً عمليات استئصال ورم ليفي من الرحم اعتذروا وأخبروني أن من شروط التبرع ألا يكون المتبرع قد أجرى عمليات من قبل خاصة عمليات استئصال اورام ولو حميدة... ونصحوني أن أذهب الى مستشفيات اخرى وذلك حتى يتم سحب نسبة بسيطة من الدم ويسمى ذلك الاجراء بسحب الدم العلاجي وهو لا يعطي لمريض آخر بل فقط يتم سحب الدم من المريض والتخلص منه.

حزنت كثيرا في تلك الفترة لأجل أنني لم أتمكن أن أتبرع بدمي بغرض فعل الخير،، خفت من اجراء سحب الدم العلاجي لأنه أيضا هدر للدم دون جدوى.. فنصحني البعض بالحجامة،،، غير أنني أيضا أخاف منها فقد سبق أن أجريتها ذات مرة على أيدي غير متخصصين وتسببت لي في فقدان الوعي.

وتركت الأمر..... شي ما قوي وخفي جعلني لا اقوم بالتخفيف من نسبة دمي المرتفع في تلك الفترة. (والايام اللاحقة اثبتت لي أنه كان قراراً سليماً فقد احتجت لكل قطرة من دمي لتجاوز رحلتي مع السرطان).

نعم أعيش حالياً رحلة شيقة بكل تفاصيلها، هي منحة اعطاها لي ربي دون سابق توقع... ففي منتصف اغسطس شعرت بكتلة غير بارزة غير ملفتة، ذهبت في نفس اليوم الذي رأيتها فيه لاجراء فحص الميوجرام،،، وجاءت النتيجة الأولية والتي لن اقول انها غير متوقعة.. هناك ورم يبدو وأنه غير حميد.

حزنت لا أنكر ذلك..... لكن لم اتفاجأ ومددت يدي في حينها للتمسك بحبل الله... ومن هنا بدأت رحلتي مع السرطان.

اللحظات الأولى بعد اكتشاف أن بعض خلايا أجسامنا تمردت وأصبحت عدواً شرساً , وكل اللحظات بعدها من تشخيص المرض وتحديد نوع الخلية السرطانية ومرحلة التاكد من عدم انتشارها في اماكن اخرى... وايضاً عندما يتم تحديد الخطة العلاجية وكل التفاصيل التالية..... هي لحظات تحتاج لريشة فنان ليرسم وجوه مفعمة بالألم وعيون خائفة ونبض حائر هل انا قادر على تحمل الآتي ام لا....... او تحتاج لكاتب مبدع ليوصل لكم تلك المشاعر العميقة والمؤثرة.

أن نعلم.... بأن فينا ورماً خبيثاً وأننا في سباق مع الوقت لكسب معركتنا معه.... أخف وطأة من المرحلة التي تليها... وهي اجراء فحوصات للتأكد بأن ذلك الورم لم ينتشر... وأيضا التأكد من عدم وجود أورام مخفية في العظام أو أي مكان آخر....

في هذه المرحلة عشت أصعب أيام عمري.... لأن الإجابة تأتي عندما اذهب لاستلام النتائج... أيام لانتظار النتيجة.. بالنسبة لي لا خوف مر بي مثله.

أخذوا مني خزعة... من مكان الورم لتحديد نوع السرطان.. أتت النتيجة مرعبة.. الخلية السرطانية لدي كانت نوع سلبي ثلاثي, وأخبرني الطبيب أنه من الانواع الشرسة...غير أننا يجب أن ننتظر نتيجة الأشعة المقطعية لمعرفة مدى تمكنها مني.

لأول مرة في حياتي لم أقم بفتح جميع ملفات النتائج.... حملتها الى عيادة الطبيب بخوف يصعب أن أصفه... وأمل في أن قدري هو في اكتشاف المرض مبكرا....

فتح الطبيب مغلفا تلو الاخر..... أخبرني ببرود أغلب اطباء الاورام, النقاط التالية:

لا وجود للسرطان في أماكن أخرى من جسمي..

نوع الخلية السرطانية شرسة ولهذا وجب البدء فوراً بجرعات الكيماوي.

لا شئ يصف أيضا السعادة التي شعرت بها أن معركتي ضد السرطان ستكون مركزة على موقع واحد...هذا الخبر جعلني أكثر قدرة ورغبة لهزيمة المرض.

اللحظة التي لا أنساها أيضاً..... عندما طلبت من الطبيب إخبار ابني الوحيد الذي للتو أكمل سن ١٥ عاماً....هل تتخيلون ما مدى صعوبة إخبار طفل أن والدته...سنده في الدنيا..مريضة سرطان !!! أنا والطبيب كنا في حالة حيرة....

وجاء رد فعل ابني مثلجاً لصدري.... بفضل الله كان اكثر ثباتاً مني.....

خرجنا من عند الطبيب..... ولم نتحدث...

حين وصلنا البيت قلت له لا تخف ان شاء الله سأنتصر... لأجلك هذا وعد... ربك كريم ماما لا تقلق.. رد " انا مش خايف ماما، كلو بايروح انتي لا تخافي ".

في أقل من أسبوع من تاريخ معرفتي بكونني مريضة سرطان كنت بدأت جرعتي الأولى.

لا اخفيكم.... منَ الله علي بهدوء وراحة بال.... مكنتني من تجاوز صعوبة رحلتي مع المرض.

تقبلت الأمر برضا واستعداد لمرحلة العلاج بقوة إرادة.

هي هبة الهية... اختبار

سر النجاح فيه....... الرضا

ارضوا بماقدر لكم.... تتسهل لكم الصعاب.

خوفوني كثيراً من الآثار الجانبية السيئة للعلاج الكيميائي...

لا أنكر.... الجلسة الأولى عدت على خير.... بعد مرور ثلاثة أيام بدأت اشعر بغثيان واضطرابات في جسمي وشعور بعدم الراحة.. ومن هنا اضطررت القبول بدواء الكورتيزون للتخفيف من بعض ما أعاني.. كنت مصممة على عدم اخذ الكورتيزون.... والألم جعلني اقبل وارضخ للواقع..... وأخذه.

وصار لزاماً أن اخبر مديرتي وبسرية أنني مريضة سرطان ومضطرة لأخذ إجازة كم يوم بعد كل جلسة...

تقبلت الأمر وقدمت لي دعماً معنوياً كبيراً واحتفظت بالأمر سراً بحسب رغبتي..سر لا يعرفه زملائي, لم أنشر خبر مرضي... ليس من باب الخجل من الناس.. لا بل أردت أن أشارك مرضي مع من يقدمون لي الدعم النفسي فقط من صديقات مقربات.... ولأنني أعيش في بلد غير بلدي لم يكن هناك صديقات كثيرات غير صديقة لي في اربد....كنت اذهب لرؤيتها كلما احتجت لقربها.

مرافقي الأساسي كان ابني غير أن الدراسة حين بدأت قررت أن أبعده عن أمور مرضي..

فاصبحت اذهب جلسات الكمياوي لوحدي... برفقة كتاب , قارورتي ماء, عصير, وقطعة شوكولاتة.

يدي ممتدة لخالقي...أنس وحدتي...لم اشعر قط بالوحدة خلال الخمس شهور التي أخذت فيها الجلسات.

وبسبب لم أفهمه...العلاج تم تغييره لنوع مختلف..

العلاج الجديد.... كان أهم عرض جانبي له ألم عميق في العظام.

مرت ليال أبكي فيها من الألم... كنت اشعر بالألم أحياناً لدرجة حتى أن البكاء لا اقدر عليه.

رفيقي في تلك الليالي.... دعائي (لا منجأ ولا ملجأ من الله الا اليه ولا حول ولا قوة الا بالله )

أثناء هذه المرحلة تعرفت على ناجيات من السرطان...

كن نعم العون.... كلما احترت في أمر اتصل أسألهن....

... بدأت بأخذ جلسات الاسترخاء وايضاً العلاج الانعكاسي.

كلاهما ساعدني كثيراً في دعم جهاز المناعة وتهدئة الألم.

أصعب شعور أثناء قيامي بجلسات العلاج الكيماوي... هو توقع ان تزيد حالتي سوءاً بعد مرور يوم وأحيانا يومين من موعد تلقي العلاج.

لم أفقد الأمل بالعكس الأمل كان يزيد ويزيد كلما نظرت للغد بتفاؤل، كلما تمسكت بحبل الله وقررت أن لا أضعف.

استمررت في جلساتي وأجمل هدية كنت أتلقاها عندما أذهب وأفحص حجم الورم, في كل مرة كان هناك تناقص في الحجم، إلى أن وصل 90% أصغر من لحظة اكتشافه.

ذلك كان يخفف عني شعوري بالألم لفقدان شعري، او لتغير ملامحي،،،، احيانا وخاصة في مراحل اخذ الكمياوي كنت انظر لوجهي بالمرآة وأرى شيئاً مني، ملامحي ليست لي،،،، لم أشعر أنني بشعة لكن شعرت بأنني لست أنا....وألمح فقط ذاتي حين ابتسم للمرآة وأقول للمرض... أنا أقوى منك سانتصر عليك بإذن الله.

أجريت العملية وتم استئصال مكان الورم وبحمد الله مكان الورم أوضحت التحاليل أنه أصبح خالياً من أي خلايا غير سليمة، ومباشرة بعد اسبوع من عمليتي بدأت جلسات الاشعاع. وهي أخف وطئاً من الكيماوي وإن كانت تجلعنا نشعر بارهاق واجهاد خفيفين الا انها افضل من الكيماوي.

حالياً أنا في آخر اسبوع من جلسات الاشعاع، وبنهايتها سأكون أنهيت رحلتي مع السرطان، ما عاد يهمني هل سيعود مرة أخرى يوماً ما أو هل سأحيا لعمر طويل أو ما خسرته من جسمي خلال مرحلة علاجي... لأن خالقنا دائماً قريب منا وما خاب من مد يديه له، ومهما كانت الصعاب التي سأواجهها في حياتي، سأظل متفائلة، بشوشة وراضية.... وفي أصعب اللحظات سأسلم الأمر لخالقي...

وكان من المهم حتى لا أسمح للحزن أو الاكتئاب أن يجد طريقه لي الاستعانة بمن حولي ليخففوا عني ويقدموا لي الدعم فكان لناجيات من السرطان فعلا بقعة ضوء ينرن لي الطريق، نصائحهن، دعمهن ودعواتهن،،،، فكامل الاحترام والشكر لصديقاتي ولكل من قدملي الدعم النفسي... كما لا أنسى بأنني أيضا تعلمت التأمل وحصلت على دعم لتخفيف الألم من خلال جلسات العلاج الانعكاسي وجلسات الاسترخاء والتأمل... أشكر من دعمني في هذا المجال, وأخص الكادر الطبي الأردني الذي أشرف على علاجي, ففي الأردن أنت تشعر أنك بين أهلك وناسك.

أخيراً قولي...... ومن لسان انسانة واجهت السرطان وجهاً لوجه......الانسان بما أعطاه خالقه من ارادة وقوة أقوى من كل شيء.... السرطان يخاف من من يواجه ومن يخاف منه ينهشه بسرعة..... مهما كانت الحالة متأخرة.... بالأمل وقوة الإرادة ممكن التخفيف من آثار المرض،،، وغير الأجل المكتوب في موعده لا قوة تستطيع أن تنهي أعمارنا.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/18 الساعة 11:12