بقلم: د. محمد حيدر محيلان
قال اجدادنا انظر لوجه العنز واطلب حليب، وكذلك نقول انظر لوجه الفريق السياسي المكلف من قبل ترامب لعملية السلام وحل القضية المركزية في الشرق الاوسط- عن طريق ما يسمى بصفقة القرن- المبتدئة بالجانب الاقتصادي بورشة البحرين، وبناء عليه اطلب حكمة ونتيجة...
جاريد كوشنر هو مجرد صهر لترمب، وجيسون جرين بلات هو محامي شركة ترامب، وديفيد فريدمان محامي الإفلاس. ماذا يعرف هؤلاء عن الشرق الأوسط والعرب والقضية الفلسطينية؟ ما هي الخبرة السياسية التي يحملونها.. ما هي الدبلوماسية التي مارسوها .. ما هي البصيرة والادراك والرؤيا الاستراتيجية التي لديهم غير العمل التجاري وميزان الارباح والخسائر وقوانين الشركات والتفليسة؟
ألا يدرك هؤلاء الصبية أن هذه قضية أمة وحق شعب وتقرير مصير، وليست مجرد صفقة عقارية في سوق نيويورك، او شراء شركات جديدة في الشرق العربي، أو توسيع اسواق وخطوط انتاج عالمية؟ وليس ادل على ذلك من الفكر المادي الضيق والعقلية المهووسة بالدولار والتي لا تعرف سواها حيث تظن ان العرب والفلسطينين يمكن شراؤهم بثمن بخس دراهم معدودة فجاء الساذج كوشنر ليعرض مبالغ اتفه من الفكرة ذاتها لاستبدال الارض والكرامة الفلسطينية بخمسين ملياراً توزع على شكل قروض لمصر والاردن ولبنان وللفلسطينيين وهذا المبلغ قادر احد رجال الاعمال العرب والفلسطينيين ان يتبرع به لهذه الدول.
لا نلوم هؤلاء الاغرار السذج فهم مدفوعون من قبل الحكيم ترمب رجل الاعمال والمصارع والممثل الذي يفتقد هو ايضا لمبادئ واوليات العمل السياسي الدولي، والا كان الفريق السياسي الذي يصنع له الخطط الاستراتيجية الدولية والممثل له والمبعوثون على درجة من الحنكة والحكمة والخبرة السياسية والدبلوماسية المقبولة على الاقل.
لقد عاد كوشنير لعمه ترامب خالي الوفاض، ولقد فشلت ورشة البحرين قبل انعقادها، منذ أعلن الطرف الرئيسي في الصراع وهم الفلسطينيون بعدم حضورها ، ولم تحقق الورشة الهدف المرسوم لها من القبول والتوافق على الجانب الاقتصادي من الصفقة المتمثل بالاغراءات المادية الضئيلة للاطراف العربية، ومقايضة الارض بالمال، والتي رفضت مسبقا من قبل الاطراف المعنية بها، وقد اعلن ذلك صراحة الملك عبدالله حين قال (لا نقبل بصفقة القرن ولو دفعوا لنا مئات المليارات) فكيف اذا كانت المليارات لا تصل لثمانية... وحتى اسرائيل لم تعلق بالايجاب وهي غير راضية عن بعض التعهدات والوعود الامريكية لانها لا توفر لها الامن المطلوب من الداخل.
واذا كان المقصود من الورشة التطبيع مع بقية الدول العربية فذلك بعيد المنال، ولو أبدى البعض رغبته وجاهر بها، لإنه من غير المرجح أن يؤدي المؤتمر في البحرين مباشرة إلى علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل دون دعم القيادة الفلسطينية وهي الصفقة "النهائية والسياسية" المطلوبة والمقصودة.
إن التطبيع السياسي الكامل والسليم مع إسرائيل ما زال بعيد المنال، خاصة بعد أن اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل وكذلك القرار الارعن بضم الحولان لاسرائيل.
إن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل لا يزال يعتمد على انهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأن قبول إسرائيل علنياً في المنطقة العربية يتطلب منها حل نزاعها مع الفلسطينيين، واقامة دولتهم المستقلة، وهم وقد قاطعوا الإدارة الأمريكية منذ ان قام ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس العام الماضي فلن يرضوا ايضا عن الجزء السياسي من الخطة الامريكية المقترحة، والذي يمكن أن يصدر في وقت لاحق من هذا العام، ما دام لن يشترط إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ، ولن يكون هذا الشرط ضمن الخطة حسب تسريبات سابقة لسياسيين امريكيين ،وهو هدف شبه معلن منذ عقود من قبل الساسة الامريكيين.
وبالتالي يمكننا القول ان ورشة العمل الاقتصادية التي نظمتها الولايات المتحدة في البحرين او مشروع كوشنر المستشار غير الخبير، لم يكتب له النجاح، وفشل في تحقيق نتائج ملموسة بشأن خطة السلام في الشرق الأوسط ، والتي طال انتظارها، وذلك لأن ازمة وقضية فلسطين ليست اقتصادية، وانما هي حقوق تاريخية واسلامية وعربية، تتعلق بالارض المغتصبة، وحق العودة للفلسطينيين المهجرين، والقدس وحل الدولتين، وغير هذه الحلول هي اجتهادات ومحاولات بائسة والتفاف ومناورات رعناء، لا تجد صدى من الفلسطينيين انفسهم ولا من الدول العربية ذات العلاقة ولا من الغرب الواعي والعارف لما يدور في الشرق الاوسط ،وما هي الحلول العادلة للقضية المركزية الفلسطينية والتي ترضي جميع الاطراف.
ربما تكون الورشة قد فتحت شقا وأملا في تقريب العلاقات بين اسرائيل وبعض دول الخليج شيئا ما.اما على صعيد القضية الفلسطينية فلم تحقق تقدما ملموسا بل تراجعا وتوقفا لمساعي السلام في المسار الصحيح.