كيف لا و(علي) قد مات، نعم غادرنا الى رب كريم ، علي الاخ والصديق والحبيب ،علي الحنون حبيب الكل ، صاحب العاطفة الاستثنائية، والاخلاق الاستثنائية ، حتى في الموت تجسّد في مخيلتنا انها حالة استثنائية ،
لا يوجد هناك قسوة أكثر من أن نسمع خبر وفاة من نحبهم، فيكون الخبر صدمة كبيرة لنا تؤثر في حياتنا ولا نستطيع أن نعود كما كنا من قبل، صحيح أنّ الموت حق على كل إنسان في الحياة إلّا أنّه مفجع ويترك ألماً لا يمحى مع الزمن، ولا يبقى لدينا إلّا ذكرياتنا معهم والدعاء لهم في قبورهم بالرحمة…
لم افكر في لحظتها أن كل شي قد انتهى، فلم يرسخ بذاكرتي من ألون العالم كلها الا الاسود ، كيف لا وما زالت امي تذكرني في كل عام بقصة ولادتي ، تسرد لي قصة نقلها الى المستشفى على يديه وسهره طوال يومين متتاليين ينتظر ولادتي (المتعثرة ) ، هو اول من اطلق زوامير الفرح مبتهجا ،لا بل اكثر الناس فرحا بقدومي الى هذه الدنيا بعد والدي امد الله في عمره …
نعم انها ساعة الحقيقة والتي اصبحت واقعا مريرا (علي) لن يدخل بيتنا بعد اليوم ..ولن يقاسمنا الفرح والحزن..
ما زلت اذكر كامل التفاصيل ما صغُر منها وما كبُر ،
اذكر منها انه كان يمتلك باص تويوتا ابيض اللون ، ويسكن في حارة تمتاز الى الان بشوارعها الضيقة، والغير مريحة للمارة، مرصوفة بالحصى مع كتل حجرية تتشابك مع بعضها …
في اليوم الخامس او السادس للدفن وبعد أن خفت صدمة الرحيل اراد الحضور ادخال الباص الذي كان يملكه، الى (حوش )الدار، كما كان يفعل كل يوم ، حاول الابن. الاكبر ولم ينجح وحاول رجل لا أذكر اسمه قيل انه مدرب سواقين في الجيش ولم ينجح، وحاول شخص ثالث ورابع وخامس ولكن للاسف لم تنجح محاولاتهم، عندها واقولها بصدق شعرت أن الطريق قد ضَاقَتْ كما ضَاقَتْ الصدور وجعا على فراقه ، شعرت أن الحضور قد نسوا ان الحديد والعبيد ما زالت على حالها من البكاء والحداد ، وان وقت عودة الحياة الى مجاريها ما زالت بعيده،
عندها خرجت احد الجارات وكانت تراقب المشهد عن قرب اتذكر ان اسمها (الحجة نوفة) رحمها الله يعرفها كل ابناء بلدتي (بيت يافا)، بصغيرهم وكبيرهم ، قلبت نظرها في المجتمعين ، وأطلقت كلمة واحدة فقط ما زالت تتردد في خيالي كل يوم( وووووينك يا علي وين أبو ندهتين ) ولم تزد في الكلام حيث عادت الى بيتها يجر بعضها بعضا والدموع ترسم لها الطريق…
ما جعلني اكتب مقالي هذا ليس فقط للترحم على خالي (علي) فهو ساكن فينا الى اليوم، وانما بسبب الدموع التي شعرت بصدقها في عيون من احب الرئيس المصري الراحل محمد مرسي ، حيث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي تنديدا بحالة الموات الرسمي العربي …
أُدرِك جيّدًا أنّ هذا الكلام لن يُرضِي الكثيرين، ولكن كلمة الحق يجِب أن تُقال، ومهما كان الثّمن ، ويعلم الجميع لم أكُن عُضوًا في حركة لأخوان المسلمين لكي ادافع عنهم ، لا بل اخالفهم في كثير من الامور وخصوصا اقحامهم في السياسة، قدوتي في ذلك إمام الدعاة الشعراوي رحمه الله في حديثه إلى ابنه سامي الذي كان منضماً للإخوان، فنصحه قائلاً بعدما رأى التحول داخل الجماعة: “يا بني أنت أخذت خير الإخوان (ويقصد امور الدين والدعوة الى الله) .. فابتعد. وحجّم نفسك.. لأن المسألة انتقلت إلى مراكز قوى.. وإلى طموح في الحكم”، فكان له ما اراد…
اتحدث من منطلق انساني عربي اسلامي لا يقبل أن تحجم ام الدنيا كما يخطط لها صغار الاعلام وهواة السياسة، كنت اتوقع ان توشح صفحات الاهرام مثلا باللون الاسود ولو من باب المجاملة، وان يبتعد كتاب الألو و مذيعين (السامسونج ) قدر الامكان عن ذم الشخص فقد رفعت الجلسة لقاضي السماء للنطق بالحكم….
اختصر كلامي بأدب .. بكلمات قد تصور لنا المشهد العربي الحزين فالكل يتدحرج للهاوية… اختصرها بكلام الشاعرأبو فراس الحمداني ومنها :-
صبورٌ ولوْ لمْ تبقَ مني بقية ٌ….. قؤولٌ ولوْ أنَّ السيوفَ جوابُ
وَقورٌ وَأَحداثُ الزَمانِ تَنوشُني….. وَلِلمَوتِ حَولي جيئَةٌ وَذَهابُ
وَألْحَظُ أحْوَالَ الزّمَانِ بِمُقْلَة ٍ…… بها الصدقُ صدقٌ والكذابُ كذابُ
بِمَنْ يَثِقُ الإنْسَانُ فِيمَا يَنُوبُهُ…
.وَمِنْ أينَ للحُرّ الكَرِيمِ صِحَابُ؟
وَقَدْ صَارَ هَذَا النّاسُ إلاّ أقَلَّهُمْ…… ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ
تغابيتُ عنْ قومي فظنوا غباوة ً… بِمَفْرِقِ أغْبَانَا حَصى ً وَتُرَابُ
إلى الله أشْكُو أنّنَا بِمَنَازِلٍ….. تحكمُ في آسادهنَّ كلابُ