مدار الساعة - بعد يوم من "صدمة" وفاة رئيس مصر الأسبق، محمد مرسي، أثناء محاكمته، رأى مقال للكاتب البريطاني روبرت فيسك، أن الحادثة تعد أيضًا إعلانًا بـ"موت الديمقراطية" في البلد العربي.
وتاليًا نص المقال، الذي نشرته، الثلاثاء، صحيفة "إندبندنت" البريطانية:
وفاة محمد مرسي كانت متوقعة تمامًا، ما يجعلها حدثًا شائنًا وفظيعًا بالفعل، و"جريمة قتل" محتملة برأيي.
بالنسبة إلي، فإن موتك داخل سجن (...)، وإن لم تكن الرئيس الوحيد المنتخب لمصر؛ يعني أنه تم قتلك بشكل أو بآخر.
لا يهم إن كان ذلك قد حدث جراء السجن الانفرادي، أو منع العلاج، أو العزل، وليس الحديث هنا عن مدى ظلم المحكمة، وتفاهة التهم، ووطأة الأحكام؛ فذلك السجين ينتظر موته كل يوم في جميع الأحوال، إلى أن ينال الحرية، التي لم يكون لينالها رئيس مصر، محمد مرسي.
وأستخدم هنا وصفه الرسمي، رئيس مصر، فهو ما يزال يستحقه طالما أن الإطاحة به جرت بانقلاب عسكري.
وإن كان قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، يجب تلقيبه اليوم بـ"الرئيس"، فإنه أمر واقع، أما مرسي فقد استحق اللقب بشرف.
فاز مرسي بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بنسبة تجاوزت بالكاد 51%، فيما حقق السيسي العام الماضي أكثر من 97%، وهي أرقام تحدثنا بنفسها كيف أن الأول يمثل الديمقراطية، فيما يختزل الثاني إهانة مصر وتدمير تجربتها، فقد ماتت ديمقراطيتها الوليدة أخيرًا في ذلك القفص، ودفنت مع دفن جثمان مرسي بسرية بالغة.
لم يكن مرسي أيضًا، ذلك العجوز المسكين، شخصية رومانسية، فقد كانت رئاسته، التي استمرت أقل من عام واحد، مليئة بمظاهر الغطرسة، وقد كان الإخوان المسلمون يعانون دومًا من الغرور، وهو ما جعلهم يتأخرون في المشاركة بثورة 2011 إلى أن بات سقوط "مبارك" أكيدًا، ثم بدأ مرسي نفسه الحديث مع الجيش (أعداؤه المستقبليون) قبل انتهاء موجة العنف.
إلا أن الرمزية هي التي تهم هنا عندما يموت الرئيس المنتخب أمام سجّانيه، في قفص يُستخدم لعرض المجرمين في قاعة المحكمة، محرومًا حتى من جنازة عامة، بحسب ذويه.
يمكننا أن نتصور الرد على طلب العائلة: "كان مرسي يُحاكم بتهم التخابر، لتواصله مع حماس"، رغم أن التوسط لإيقاف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل كان من واجبات رئاسته، وهي المهمة التي تولاها أيضًا من خلفه (السيسي)، الذي لن يُحاكم في المقابل بتهمة التخابر، لسياساته العسكرية التي تسعى إلى ضمان أمن الحدود الجنوبية لإسرائيل.
ولا يسع أي شخص إلا أن يتخيل ردة فعل القاضي في آخر محاكمة لمرسي، عندما انهار الرجل الذي انتخب رئيسا للبلاد عام 2012 أرضًا.
أن تكون مستعداً لمحاكمة الرجل وإرساله إلى حبل المشنقة، وفجأة تشهد رحيله إلى خالقه، يثير أسئلة عن طبيعة تلك العقول القضائية.
هل يعقل أن يكونوا قد تفاجؤوا؟ عائلة مرسي كانت قد اعترضت لفترة طويلة على ضعف العناية الطبية به، فضلًا عن منظمات حقوق الإنسان، وكان يعاني من الحبس الانفرادي 23 ساعة يومياً.
تجاهل الإعلام العالمي وقادة العالم، آنذاك، إدانة كل تلك الممارسات، واعتُبر مرسي من الماضي، وكان ظهوره من فترة لأخرى أمام القضاء مسلسلًا مملاً، إلا أن تحدث أو حاول التحدث مع قضاته لـ5 دقائق قبل أن يغادر للأبد.
3 زيارات عائلية فقط حظي بها خلال 6 سنوات من الحبس الانفرادي، لم يسمح لمحاميه بمقابلته، ولا حتى للطبيب، والأدلة تشير إلى أن سجانيه كانوا على الأغلب يأملون بموته، وكذلك قضاته و"الرجل الأوحد" في مصر الذي من غير الممكن معارضته (السيسي).
حاول السيسي منذ فترة طويلة الخلط بين الإخوان المسلمين من جهة و"القاعدة" و"داعش" والمعتدين على الكنائس والأقلية المسيحية من جهة أخرى، وإذا كان الاتهام يشمل داعش وحماس والإخوان المسلمين بالوقوف خلف التمرد الإسلامي في سيناء والهجمات في القاهرة، فهل يمكن أن ننتظر أي شعور بالندم بين زملاء السيسي عندما وصلهم نبأ وفاة الرجل ذو الـ68 عاماً، الذي كان يعاني من مرض السكري، موفراً عليهم مصاريف الإعدام.
وبالطبع لم يكن هنالك تشييع عام.. فوصف جماعة الإخوان المسلمين بـ "الإرهابية" شيء، وإطلاق نفس الوصف على كل رجل و امرأة سيقتلون في جنازة أمر آخر.
حتى في مصر هنالك حدود.. أليس كذلك؟
الاناضول