الدكتور علي منعم القضاة *
ربما يكون هذا المقال هو الثامن أو التاسع خلال شهر رمضان الحالي الذي يتحدث عن مجالس أمناء الجامعات الأردنية؛ الرسمية منها على وجه الخصوص، إذ تكون الجامعات الخاصة تحت رقابة مالكيها بشكل مباشر، وربما كان المالك هو رئيس مجلس الأمناء، ولا يمكن لرئيس الجامعة، ولا لمجالس العمداء، أو المجالس الأخرى أن تتجاوز رغبات رأس المال، وهي ليست محور نقاشنا على الإطلاق.
مجالس أمناء الجامعات ليست بدعة في الأردن، وهي موجودة ويتم تجديدها بصفة دورية كلما انتهت فترتها. وقد شُكِلَتْ المجالس الحالية منذ قرابة العام بموجب قانون الجامعات الأردنية، رقم (18) لسنة 2018. حيث يقوم مجلس التعليم العالي؛ الذي يرأسه وزير التعليم العالي بحكم منصبه رئيساً للمجلس، باختيار أعضاء هذه المجالس؛ وفقاً لمقتضيات وطبيعة الجامعة.
أعضاء مجالس الأمناء الحاليون في جامعاتنا الرسمية والخاصة، قامات علمية، ونخب أكاديمية، وثقافية، ومهنية في مجالات عدة في المملكة، ومن شخصيات لها حضورها، ومكانتها واسمها في مختلف القطاعات، معروفة على مستوى العالم، والعالم العربي، وكثير منهم من مؤسسي التعليم العالي في الأردن؛ وممن لهم باع طويل في مجالاتهم المتنوعة: رؤساء وزارات سابقون، رؤساء جامعات، وزراء، خبراء، علماء ...، لهم مكانتهم العلمية والسياسية والاجتماعية، وهم يقومون بواجباتهم بمهنية عالية.
والأغرب من ذلك أن مجالس الأمناء تعمل خدمة لمسيرة التعليم العالي في الأردن، ويتم محاربتها من قبل أناس لا يعرفون ربما كنهها، ولا ضرورة وجودها، دون عائد مالي يذكر؟! حيث لا تصل مكافآت رؤسائهم إلى (300) ثلاثمائة دينار شهرياً، يستطيع أي منهم أن يتقاضاها - لو كان هدفه مادي بحت – من أي برنامج حواري على أي فضائية وما أكثرها.
ربما لن يأتي مقالي هذا بأمور خارقة للعادة فيما يتعلق بمجالس الأمناء، ولكنه محاولة تذكيرية لنا جميعاً أن نعطيهم فرصة للعمل الحقيقي، الذي بدأ واضحاً للعيان، وإن ما يتم طرحه من قبل أكاديميين في جامعات مختلفة معظمهم عاملون في جامعاتنا الرسمية، إنما يعكس حقيقة أنه هذه المجالس بدأت تضطلع بالدور المنوط بها، بشكل فاعل وفعلي، وهو ما لم تألفه بعض "اللوبيات" أو "الطُفيليات" في هذه الجامعات، التي قادت الجامعات إلى أزمات مالية خانقة، وبطالة مقنعة، وقد بدأ الخناق فعلاً يضيق عليها، بسبب توجه مجالس أمناء الجامعات بالاتجاه الصحيح، وبدأت بوصلتها تتجه الاتجاه الصحيح أيضاً، نحو محاربة الفساد، والتخفيف من مديونيات الجامعات الرسمية، بتفعيل الرقابة الحقيقية عليها.
بكل وضوح أصبح عمل مجالس الأمناء يتعارض مع المصالح الشخصية، لبعض المتنفعين في الجامعات، لذلك نقرأ أحياناً مقالات بمثابة هجمات شرسة على المجالس، وصلت حد الاتهام لهم بما ليس فيهم، أو للتقليل من أهمية وجود وفائدة مجالس الأمناء أحايين أخرى. ولا يشك صادقٌ أن سبب ذلك هو فقط أنها تتعارض مع المصالح الضيقة لهم، وليس مع مصلحة التعليم العالي الأردني، ولا مع جودة التعليم، ولا مع مصلحة الأردن بشكل عام. وهو ما لم تتعوده رئاسات الجامعات المتعاقبة، ولا مجالس العمداء فيها، أن ترى مجالس الأمناء تعمل بكفاءة رقابية لم تعهدها بعض اللوبيات في الجامعات (إن جاز التعبير).
مجالس الأمناء الحالية ثارت حول تشكيلها بعض التساؤلات، لا أحد ينر ذلك، ولكن مباشرة اتخذت الإجراءات الكفيلة بتصويب الخطأ ووضع الأمور في نصابها، إلى متى يصر البعض على وضع العربة أمام الحصان، ويختلقون العقابيل والعراقيل في طريق مسيرة التعليم العالي الأردني، وهي تسير بالاتجاه الصحيح، لماذا توجد بعض الجيوب الخفية التي لا تريد أن ترى النور، أليس مجلس التعليم العالي هو المسؤول عن محاسبتها لو تعسفت باستخدام القانون؟ ألا يوجد في كل جامعة أردنية كلية قانون تزخر بالكفاءات القانونية؟ ويمكنها التأكد من أن هذه المجالس تسير وفقاً للقانون، أو تخالفه. ألا يوجد لدى كل رئيس جامعة مستشار قانوني ومدير شؤون قانونية، ومحامي يتابع عمل الجامعة لدى جميع الجهات. ألا يستطيع كل هؤلاء أن يقدموا نصيحة قانونية لرؤسائهم؟ ألا يستطيع رؤساء الجامعات الرسمية تحديداً أن يقولوا رأيهم في هذا المجال؟!أم أن بعضهم يرق له ما يكتب عبر المواقع كل صباح عنهم وعن جامعاتهم. كثيرة هي التساؤلات.
* أستاذ مشارك في الصحافة والتحرير الإلكتروني