رمضان في التاريخ العربي الإسلامي كان شهر الأعمال العظيمة والفتوحات الإنسانية لإخراج الأمم من الجهل والفوضى والسطو على حرمات الناس الى عالم الإنضباط والعلمّ وتطبيق المساواة بين البشر، ومع كثير من خطب السادة الأئمة والخطباء عن فضائل الشهر العظيم، فإننا شهدنا منذ اليوم الأول جرائم القتل العائلي تترى، والمشاجرات الكبرى فالإعتداءات بالأيدي والشتائم اللفظية حتى وصلنا الى مستوى متدن ومحتقر من الدس والتلفيق السياسي في محاولة لطعن الوئام والتلاحم الوطني، حتى بات الأردن وكأنه ساحة معركة إجتماعية لا رادع لها.
في الأردن سبعة ملايين مواطن يرافقهم خمسة ملايين مقيم، ومع هذا لا نسمع إلا عن عدد قليل من الفوضويين أو مرتكبي الجرائم أو المتسلقين على حبال السياسة لتحقيق مآرب خاصة والمستعطفين الجمهور لحوادث عابرة تظهر تفاصيلها الكثير من المبالغة والكذب، ثم يتم حلها بـ«جرة عباءة مستشيخ»، في المقابل هناك مئات الآلاف من المواطنين المسالمين الذين لا يسمع لهم صوت شاك ٍرغم معاناتهم اليومية وهم من يعملون بصمت ويدفعون بصمت، ونسميهم الأغلبية الصامتة.
في المجتمعات المحترمة سلوكياً وقانونياً وسياسياً تحدث المشاكل أيضاً، ولكنها نزعات فردية، بينما السلوك العام يمكنك رؤيته في الشارع العام عندما يحترم المواطن القانون والإنضباط بلا رقيب، تقابلهم حكومات محترمة توفر لهم الخدمات العامة كفرض واجب عليها لا منّة ولا إشتراطية مقابل الضرائب التي تجبيها، وفي نهاية اليوم يقف رئيس الحكومة المحترمة في الطابور مع المواطنين بلا استعراضات أمنيّة.
البلد باتت تظهر وكأنها في مشاجرة مفتوحة، لا تمر ساعة من نهار إلا وفيها خبر حوادث من كافة التصنيفات، وهذا دليل على شحنات طاقة سلبية شديدة الفولتية أصبحت تطوّق المجتمع، المجتمع الذي أصيب بحالة من النزّق واليأس من إجراءات الحكومات ومن عكسية معالجاتها للمشاكل المزمنة في هيكل الدولة التي تعتمد على بضعة أشخاص لا يرون سوى ضفاف الشواطىء الخلابة في قصورهم، فيما نظرهم قاصر عن رؤية القصور البائن في الخدمات الإجتماعية، و تحول غالبية المواطنين الى فقراء يستحقون الصدقة، وعدم تقديم أي خطة ولو كذبا للخروج من مأزقنا الإقتصادي أو موعد لذلك.
لا يجوز أبدا أن تقف الحكومة نداً أو خصما للمواطن، ولا يمكن أن تنظر له على أنه «دجاجة ذهبية» وحتى لو كان دجاجة تبيض ذهبا فعليها أن توفر له الطعام والدواء والتعليم بمستوى محترم كي تأخذ بيضا محترما، بصفارين مثلا، وأن لا تتركه ليموت فيموت دفتر الحسابات، ولهذا بتنا نصدق فعلا التقارير الصحية التي تتحدث عن أن هناك أكثر من مليون أردني يعانون أمراضا نفسية.
إننا نرى أن ما يجري على ساحتنا الوطنية ليس سوى تجييش لكراهية كل شيء في هذا البلد، وهذا أخطر عامل عانى منه جيراننا قبل غزو بلدهم فصفق الشعب للغزاة وتحولوا لشعب من الفقراء وتسيد المشهد فاسدون وعملاء.
الرأي