مدار الساعة - خمدت نيران التصعيد العسكري بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل" في غزة، وساد "هدوء" يخشى مراقبون أنه لن يستمر في ظل مؤشرات تنذر بتصعيد جديد وربما بالحرب.
وشن الجيش الإسرائيلي صباح السبت الماضي وحتّى فجر الاثنين، غارات جوية وقصف مدفعي عنيف على القطاع، فيما ردت الفصائل الفلسطينية بإطلاق رشقات من الصواريخ تجاه جنوبي الكيان الغاصب في مناطق الـ48.
وأسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 27 فلسطينيا (بينهم 4 سيدات، و2 أجنة، ورضيعتين وطفل)، وإصابة 154 مواطنا، بحسب وزارة الصحة بالقطاع.
ولكن، ولئن انطفأت نيران التصعيد بعد جهود بذلتها مصر وقطر والأمم المتحدة، فإن دخان مواجهة أشد عنفا، وربما حرب شاملة، بات يتصاعد.
فمنذ اللحظات الأولى لبدء سريان التهدئة، فجر الاثنين، لم تتوقف التحذيرات الفلسطينية والإسرائيلية من أن جميع المؤشرات تنبئ بعودة الاشتباكات من جديد بعد أيام أو أسابيع فقط.
أبرز تلك المؤشرات ترتبط بتمسك الحكومة الإسرائيلية بسياسة إدارة حصار غزة المتواصل منذ 2006، ومحاولة ربح الوقت من خلال المماطلة بتنفيذ تفاهمات التهدئة التي أبرمتها مع الفصائل الفلسطينية بوساطة مصرية وقطرية وأممية.
فرغم وقف إطلاق النار، إلا أن الجيش الإسرائيلي قرر الإبقاء على قواته المنتشرة في تخوم قطاع غزة تحسبا لأي تدهور أمني في الأيام المقبلة، وذلك بإيعاز من رئيس الوزراء وزير الدفاع بنيامين نتنياهو.
والثلاثاء، قال نتنياهو في مستهل اجتماع أمني مع قادة الجيش في المنطقة الجنوبية، إن "المواجهة لم تنته بعد، وإنها بحاجة إلى الصبر والتروي واتخاذ القرارات الحكيمة والصائبة. إسرائيل تواصل استعدادها لجولة مواجهة جديدة".
وتعقيبا عن الموضوع، قال الكاتب السياسي مصطفى إبراهيم، إن "المواجهة العسكرية الأخيرة بقطاع غزة أثبتت أنه في كل لحظة تتوقف فيها جولة من التصعيد، سيبدأ العد التنازلي لجولة لاحقة أشد قسوة".
واعتبر إبراهيم أن "استراتيجية إسرائيل تجاه غزة تتمثل بمواصلة حصارها والمماطلة والتسويف في تنفيذ أي إجراءات من شأنها أن تخفف من الحصار، أو ترفع الضغط عن حركة حماس".
ورأى أن حالة المماطلة في تنفيذ تفاهمات التهدئة ستزيد من حالة الاحتقان بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل"، وهو ما سيقود لمواجهة عسكرية أخرى.
وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية ومختلف الأوساط السياسية في "إسرائيل" سبق وأن أكّدوا أن هذا الهدوء لن يستمر طويلا، لأن "تل أبيب" لن تلتزم بتنفيذ تفاهمات التهدئة المتعلقة بإدخال تحسينات جوهرية على ظروف حياة الفلسطينيين بالقطاع.
وحول احتمال اندلاع مواجهة واسعة، قال إبراهيم: "إسرائيل تحاول شراء الوقت وتأجيل المواجهة، عبر تقديم وعود بتخفيف الحصار عن غزة والمماطلة بتنفيذها، ولكن عندما تنفذ خيارتها، فإن الحرب بغزة ستكون حتمية".
وبالنسبة له، فإن "المواجهة الأخيرة ربما غيرت قواعد الاشتباك قليلا بين حماس وإسرائيل، بفعل القوة الصاروخية التي أظهرتها الأخيرة مع بقية الفصائل، وهو ما يدفع الحكومة الإسرائيلية لمزيد من التفكير قبل إطلاق مواجهة واسعة".
طرح أيدته صحيفة "هآرتس" العبرية، الثلاثاء، بتأكيدها أن "المواجهة العسكرية الجديدة مع حماس والجهاد الإسلامي، ستندلع قريبا".
ونقلت الصحيفة عن المحلل العسكري عاموس هرئيل، قوله إن "الجيش الإسرائيلي بدأ يتحدث عن إمكانية عملية عسكرية واسعة في القطاع، بحلول الأشهر المقبلة".
ولفت هرئيل إلى أنه "وفقا لكافة المؤشرات، تعهدت إسرائيل لحماس (بموجب وقف إطلاق النار) بما تعهدت بمنحها إياه في وقت سابق ولكنها لم تنفذه"، في إشارة إلى تفاهمات التهدئة التي تتعلق بتسريع تحويل أموال المنحة القطرية لغزة، وتسهيل الحركة في المعابر، وحل أزمة الكهرباء، وتوفير فرص عمل.
ورجح أن يؤدي اتفاق وقف إطلاق النار إلى "هدوء مؤقت، يدوم أياما وربما أسابيع قبل أن تندلع المواجهة من جديد".
بدوره، يرى المحلل السياسي، تيسير محيسن، أنه لن يمر الكثير من الوقت حتى تندلع المواجهة الشاملة بين الفصائل في غزة و"إسرائيل"، لأن حكومة نتنياهو لن تلتزم بمتطلبات تفاهمات التهدئة.
وقال محسين: "لن ينصاع نتنياهو لمتطلبات التهدئة لأنه سيتم اعتبار ذلك بإسرائيل نوعا من الإهانة والرضوخ لشروط المقاومة".
وتابع: "ربما يسمح نتنياهو بتنفيذ بعض بنود تفاهمات التهدئة لتوفير هدوء مؤقت على جبهة غزة، من أجل إغلاق بعض الملفات الداخلية مثل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وتنظيم فعاليات مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن)".
و"بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة وتنظيم المهرجان الغنائي"، يقول، "سيتفرغ نتنياهو لجبهة غزة، وحينها يمكن أن تتصاعد المواجهة".
إلا أن محسين لا يتوقع أن تتخذ إسرائيل قرار المواجهة بالسهولة الممكنة، لأن القوة الصاروخية التي أظهرتها الفصائل الفلسطينية في غزة بالمواجهة الأخيرة، باتت مصدر خوف وقلق كبير للإسرائيليين.
وفي الإطار ذاته، قال الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم"، رام كوهين، الثلاثاء، إن "النتيجة الفورية لانتهاء كل جولة من المواجهات العسكرية مع حركة حماس في غزة، تتمثل فيما تسببه للطرفين من قتل وخراب".
وأعرب عن اعتقاده بأنه "لا يبدو أن الجولة في طريقها إلى النهاية، لأننا ندخل أنفسنا في دوامة ليس لها مخرج، فما إن تبدأ تهدئة أمنية بعد جولة نيران دامية حتى يبدأ العد التنازلي لانطلاق جولة أخرى أكثر دموية".
الكاتب السياسي، فايز أبو شمالة، كان له وجهة نظر مختلفة قليلا، فهو يعتقد أن إسرائيل ستلتزم بتنفيذ تفاهمات التهدئة مع الفصائل بغزة، وذلك على ضوء ما جرى في الميدان خلال التصعيد العسكري الأخير.
وأوضح أبو شمالة أن "القدرة العسكرية التي أظهرتها المقاومة بغزة أجبرت إسرائيل على أن تطالب بالتهدئة، وقد تسربت أخبار كثيرة تتحدث عن أن جهاز الشاباك (الأمن الداخلي الإسرائيلي) ورئاسة الأركان بالجيش، هما من أوصيا المستوى السياسي بتل أبيب بالموافقة على شروط التهدئة".
ولئن رجح المحلل السياسي التزام إسرائيل بالتهدئة، إلا أنه لا يستبعد أن تنقلب المعادلة وتندلع مواجهة جديدة، في حال حدثت تطورات من أبرز أمثلتها اعتداء القوات الإسرائيلية على المتظاهرين بمسيرات "العودة" قرب حدود غزة.
لكن هذه المواجهة لن تصل إلى حرب شاملة لأن إسرائيل، وفق ما يرى أبو شمالة، "لا تفكر بالدخول في حرب ستخرج منها فاقدة لهيبتها".
طرح يبدو متناقضا مع تصريحات للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، والتي توقع فيها اندلاع حرب كبيرة مع "إسرائيل" خلال صيف 2019.
وقال النخالة، في مقابلة مع قناة "الميادين": "ما حصل في غزة أخيرا مناورة بالذخيرة الحية استعدادا للمعركة الكبرى التي نراها قادمة".
وأضاف: "هناك محاولات لاحتواء المقاومة وتجريدها من السلاح وانا اعتقد اننا امام معركة كبيرة هذا الصيف".
وشدد على أن "المقاومة لديها الاستعدادات الكافية وقامت ببناء كل توقعاتها وبنيتها العسكرية" وهي جاهزة للدفاع عن شعبها".
الاناضول