انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة مقالات مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة

قانون المسؤولية الطبية والصحية.. هل حقق الموازنة بين حقوق المريض وحماية مقدم الخدمة الطبية والصحية؟

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/24 الساعة 16:48
حجم الخط

أ.د نبيل فرحان الشطناوي *


تدخل المشرع الأردني وأقر قانون المسؤولية الطبية والصحية ودخوله حيز النفاذ اعتباراً من تاريخ ( 6-9-2018) وإقراره لمثل هذا قانون يعتبر برأيي نوعاً مما يمكن تسميته (الشجاعة التشريعية) ، وعدم ترك تنظيمه للقواعد العامة في القانون المدني والجزائي أو التشريعات الخاصة المنظمة للمهن الصحية والطبية ، وهو ما يرتب نتيجتان متناقضتان : تتمثل الأولى توفير قدر من الحماية والطمأنينة للمرضى في حالة خضوعهم لأي من الأعمال الطبية والصحبة التي نظمها القانون، والمنبثقة من أن هنالك قانوناً يحميهم في أي من حالات التدخل الطبي ، أما النتيجة الثانية والخطيرة: سيكون هذا القانون بمثابة السيف المصلت على رقاب مقدمي الخدمات الطبية والصحبة، حيث سيصاحب ممارسة عملهم الحرص والحذر بل الخوف من أي تصرف منهم مما يقيم مسؤوليتهم المدنية أو الجزائية أو التأديبية، مما يحد من روح الإبداع والتطوير في المجال الطبي أو الصحي الممارس، والاقتصار على وسائل وطرق تقليدية في العلاج ، بحيث لن نشاهد مزيداً من الانجازات الطبية التي ابهر فيها أطباؤنا وفي كافة المناحي الطبية والصحية..

ولقد لفت انتباهي مجموعة من الملاحظات التي يمكن تسطيرها على هذا القانون وتتمثل بالآتي:

أولاً - ذهب القانون المادة (2) إلى تعريف مجموعة من المصطلحات التي سترد في ثنايا هذا القانون ، وهنالك شبه إجماع فقهي وقضائي أن التعريف ليس من اختصاص المشرع بل هو من الاختصاص الأصيل للفقه والقضاء ، ثم لماذا يقيد المشرع نفسه بتعريفات ستولد في الكثير من الحالات جدلاً فقهيا والأخطر قضائياً حولها ، وهل تندرج ضمن تعريف القانون ، أم تخرج من نطاق تطبيقه .

ثانياً – ما قام به المشرع بتعريفة للخطأ الطبي في المادة (2) والتي جاء فيها :" كل فعل أو ترك أو إهمال يرتكبه مقدم الخدمة ولا يتفق مع القواعد المهنية السائدة ضمن بيئة العمل المتاحة وينجم عنه ضرر"، هذا التعريف الذي هو محل خلاف وجدل فقهي حول تحديد ماهيته، ثم ما هو نوع الخطأ الذي يقيم مسؤولية مقدمي الخدمة؟ هل هو الخطأ اليسير؟ أم الجسيم ؟ وهل درجة الخطأ واحدة بالنسبة لكافة مقدمي الخدمة. ثم ما هو الفرق بين الخطأ الطبي والعادي؟

والغريب أن القانون يتحدث عن الخطأ وكأنه ملازم لكافة المهن الصحية والطبية للقول بمسؤوليتها، فهل يطبق هذا على أطباء الجراحة التجميلية ، فعلى سبيل المثال لو تم الاتفاق بين طبيب مختص بالجراحة التجميلية ومريض على تصغير الأنف بشكل وبحجم معين، وبعد الانتهاء من الجراحة تبين أن حجم التصغير وشكل الأنف يخالف ما تم الاتفاق عليه ، كما أن الطبيب لم يرتكب أي صورة من صور الخطأ الواردة في المادة (2) فلا تقوم مسؤوليته أترك الإجابة لكم .وعليه كان حريا بالمشرع التمييز بين الإعمال الصحية والطبية التي فيها نسبة للنجاح أو الفشل وهي مجال تطبيق القانون ، والأعمال الأخرى لتي تقيم المسؤولية أذا لم يقم مقدم الخدمة بتحقيق النتيجة المطلوبة منه ، مثل الأعمال المخبرية ، وغالبية أعمال أطباء الآسنان ، هل يعقل بعد عملية زراعة للأسنان لا يقل تكلفتها عن (6000) دينار سنطبق تعريف الخطأ بحسب القانون ، برأيي هنا مسؤولية الطبيب لا مجال لدحضها إلا للقوة القاهرة والحادث الفجائي الخارج عن إرادة الطبيب. وما يقال عن الجراحة التجميلية وطب الأسنان، يقال عن كل أعمال الصور الإشعاعية والطبقية أيضاً، والغريب أن المشرع أشار إليها في المادة(2) من قانون عند تعريفه الإجراءات الطبية والصحية ، فهل يعقل من مصور الأشعة أو طبيب الأشعة أن لا يتحمل مسؤولية إذا راعى القواعد الطبية المرعية بحسب القانون وترتب عن ذلك.

ثالثاً : ثم لماذا المشرع يعدد صور الإجراءات الطبية والصحية في المادة (2) على سبيل المثال بجعلها مفتوحة هذا مما يضعف النص من جهة ، ومن جهة أخرى من سيحدد الإجراءات التي لم ترد بالنص هل ستدخل في نطاق تطبيقه وتعتبر من صوره أم لا تعتبر ؟

رابعاً – والسؤال المثار ما هي القيمة للقانونية لعقد العلاج الطبي والذي يتضمن تحديد مسؤولية الطبيب ومقدارها ، ونسبة نجاح التدخل الجراحي ، وهل تصلح في جميع أنواع الأعمال الطبية والصحية كالجراحة التجميلية على سبيل المثال . ثم ما مدى مشروعية مثل هذه الاتفاقات التي يطلق عليها (الإعفاء والتخفيف من المسؤولية ) وهل تقبل بالميدان الصحي والطبي ؟.

خامساً - لماذا لم يتحدث المشرع بصريح النص على المسؤولية المشتركة التضامنية في المستشفيات الحكومية والخاصة بين مسؤولية ممارسي العمل الطبي والصحي والمستشفى كشخصية معنوية ؟ حيث يرجع المتضرر من العمل الطبي على كلاهما .

سادساً – المادة ( 7- د) تبقى مسألة إبلاغ المريض بحالته الصحبة وخطورتها وأثرها على نجاح أو فشل العلاج مسألة خلافية طبياً وقانونيا ، حيث هنالك أراء في الكثير من الدول الغربية سواء من أطباء أو قانونين يرفضون رفضاً قاطعاً إبلاغ المريض بحالته لما يترتب على ذلك من انتكاس حالته الصحية وفشل العلاج ، والدراسات والإحصائيات تثبت ذلك . مع التذكير أنها مسألة نسبية تختلف من مريض إلى أخر .

سابعاً - المادة (9- ه-1) تتحدث عن إفشاء السر الطبي بناء على طلب متلقي الخدمة ، هل يبقى هذا سراً مهنيا ؟

ثامناً - المادة (8- ط- ك ) وموضوعها التجارب الطبية والأبحاث غلى البشر وإباحتها بشروط معينة ، وهي محل خلاف وجدل بين المؤيدين والرافضين لها ، وتتجسد الخطورة هنا في استغلال الحاجة المادية لمن يخضعون لهذه التجارب والأبحاث .

تاسعاً – كانت الفرصة سانحة لواضعي القانون بالتطرق لما يطلق عليه ( الفريق الطبي) من حيث تحديد المقصود بذلك ، وحدود مسؤولية أفراد الطاقم الطبي ، ولكن للأسف أغفل القانون التطرق لذلك .

عاشراً - أشارت المادة (6-ا) إلى ما يطلق عليها( لجنة المعايير الطبية والصحية) والتي يشكلها وزير الصحة لاعتماد القواعد المهنية كل ثلاث سنوات والتي من مهامها اعتماد المعاير والصحية التي يجب مراعاتها بالعمل الطبي والصحي، والسؤال المثار هنا هل مدة (خلال كل (الثلاث سنوات) التي ورد النص عليها تتعلق بالعضوية باللجنة، أم أن النظر في تبديل وتغيير هذه المعايير وفقاً التطورات الطبية والصحية كل ثلاث سنوات؟ ولكن القراءة السليمة للنص تدل دون أدنى شك أن هذه المعايير ستبقى ساكنة تراوح مكانها خلال هذه المدة ، مما ينعكس سلباً على التقدم والتطور الطبي والصحي ، والسؤال المثار طبيب تخرج حديثاً من دوله غربية متقدمة طبياً استخدم قواعد لم تصل بعد ولم تستخدم في الميدان الصحي والطبي في الأردن وبذل جهده وعنايته ورغم ذلك فشل تدخله الطبي فهل تقوم مسؤوليته ؟ لخروجه عن القواعد المرعية في العمل الطبي بالأردن ؟

أخيراً - إن توفير الطمأنينة والأمان لممارسي العمل الطبي والصحي يكون من خلال ما يعرف بالتأمين من المسؤولية المدنية الإجباري ، وبالرغم من أن القانون نص على الإلزامية في إنشاء صندوق مقره المجلس الطبي العالي ، وسينظم بموجب نظام تنفيذي سيصدر لاحقاً، وأشارت الفقرة(ب) من المادة (17) بالتزام مقدم الخدمة بالتامين على العاملين لديه بهذا الصندوق ومما يؤخذ على التنظيم القانوني لهذا الصندوق ما يلي :

- لماذا يتم إنشاء هذا الصندوق الذي يحتاج إلى مختصين وخبراء من محاسبين ومدققي حسابات ، ومختصين بمسائل وقضايا هذا النوع من التامين ؟ ومن سيتحمل دفع مخصصاتهم المالية ؟
- كيف سنطبق الإلزامية في الاشتراك بالصندوق على العاملين في الميدان الصحي والطبي في القطاع الخاص .
- ما هو مآل عائدات الصندوق التي تزيد عن مقدار التعويضات المدفوعة للمتضررين من المرضى في نهاية كل سنة مالية؟
- يكمن الحل برأيي بان يكون التعاقد مع شركات تأمين ضخمة متخصصة ، تكون المكلفة بجمع أقساط التامين من ممارسي المهن الطبية والصحية الملزمين بالمشاركة في هذا التامين ، توفيراً للأعباء المالية والإدارية لإنشاء الصندوق .ِ

قصارى القول : أن هذا القانون برأيي لم يحقق الموازنة بين حماية ممارسي العمل الطبي والصحي ولا حقوق المرضى، وسيثير مجموعة من المشاكل القانونية ستزدحم فيها ساحات المحاكم التي سيكون لها القول الفصل فيها خاصة أن القانون بذاته أجاز للمتضرر من العمل الطبي والصحي اللجوء للقضاء المدني للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به.

* محام وأستاذ جامعي

مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/24 الساعة 16:48