أ.د عدنان المساعده*
مبادرة سمو ولي العهد للاهتمام بلغة (الضاد) عنوانا لهويتنا، في الوقت الذي تراجع فيه الاهتمام بلغتنا العربية بسبب عقوق ابنائها حيث نجد الكثير من المراسلات التي تتم في مؤسساتنا مليئة بالأخطاء واللغة الركيكة وعدم المعرفة بقواعد اللغة دون التزام باحترام قدسية الكلمة ومحتواها، لذا فان هذه المبادرة تضمنت العمل على سيادة اللغة العربية وتعزيز دورها في كافة المجالات وفي الأنشطة العلمية والثقافية، الامر الذي يجب أن يتابع بجدية من قبل جميع المؤسسات، لا أن يكتفي مدراء هذه المؤسسات بشروحات كلمة "يعمم" أو "يحفظ" دون أي إجراء عملي بهذا الخصوص.
ومن المؤسف حقا، أن تجد أخطاء يندى لها الجبين من قبل البعض من حملة الشهادات الجامعية والشهادات العليا من خلال المخاطبات الرسمية التي يتم توثيقها او أرشفتها في مؤسساتنا التعليمية وغيرها. وممّا يلفت الانتباه تلك الأخطاء اللغوية والاملائية من قبل حملة الشهادات الجامعية في مؤسساتنا التعليمية، وأذكر منها لا الحصر: (كلمة "إضافة" يكتبها البعض "اظافتا"، ومثلها كلمة وارفة "الظلال" يكتبه البعض وارفة "الضلال"...الخ)، هذا ناهيك عن عدم الالتزام بأبسط قواعد اللغة مثل ("على المدرسون" بدلا من "على المدرسين") ناسيا أو متناسيا أن حرف الجر يجر سلسلة جبال الهملايا بسهولة ويسر. انني أعتقد، ان إتقان اللغة ينطلق بداية من ممارسة الكتابة والنسخ الذي كان سابقا نهجا أساسيا في مدارسنا لما فيه من ترسيخ وفهم لمكنوناتها، فعندما يتم نسخ موضوع القراءة أكثر من مرة من قبل طالب المدرسة، فأنه بذلك يتعلم الإملاء والخط وقواعد اللغة وكذلك حفظ الدرس بسبب التكرار المفيد هنا، والمتأمل لقدرة الأجيال السابقة التي أتقنت عناصر اللغة جميعها ما جاء ذلك الا عن طريق الكتابة اليدوية والنسخ المستمر والجهد، ولكن ما نشهده اليوم ان عنصر النسخ والكتابة أصبح للأسف أمرا ثانويا لا يتم التركيز عليه.
ان تراجع الاهتمام في لغتنا أصبح ممارسة غير محمودة من قبل طلبة الجامعات وحملة الشهادات العليا...لماذا نهتم باللغات الأخرى على حساب لغتنا وأرجو أن لا يفهم من ذلك عدم الدعوة الى تعلم اللغات الأخرى وإتقانها ولكن الشيء المؤسف حقا هو عدم إجادة لغتنا الام وخصوصا في مجال الكتابة والخطاب بشكل عام، وان ذلك بالطبع ليس وليد اللحظة وانما نتيجة تراكمات خاطئة منذ سنوات الدراسة الاولى. إن هذا الأمر يبدو غير مهم في نظر البعض ولكن اذا كنا نحن الاكاديميين في مؤسساتنا التعليمية في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا لا نعير ذلك الاهتمام، فإن ذلك سيصبح نهجا خاطئا نمارسه بشكل يسيء الى لغتنا ومؤسساتنا. أليس من الافضل أن يتولى صياغة المراسلات وكتابتها متخصصون ومؤهلون لذلك في جميع المؤسسات لنعكس الصورة الناصعة البياض للغتنا العربية الجميلة لفظا وغاية؟. وأشير هنا، أن فرنسا التي هزمت امام بريطانيا في حرب السنوات السبع عزت أسباب هزيمتها الى هزيمة ثقافية وتربوية وتعليمية، وحرصت تمام الحرص وغيرّت من طرق تعليم اللغة الفرنسية، ولم تسمح ان يقوم بالتدريس في مدارسها من كانت لكنته غريبة لتكون لغتها نقية خالية من الشوائب، وان يقوم بتدريسها القادرون والمؤهلون. وبعدها نهضت فرنسا وأصبحت من الدول المتقدمة وأصبحت اللغة الفرنسية على قائمة أولوياتها التي تعتز بها واعتبرتها هويتها الأصيلة في كل مجال.