الفوز الذي حققته قائمة (الاسلاميون والمستقلون) في الدورة الرابعة لانتخابات نقابة المعلمين، يشبه تماما نسخة الانتخابات الاولى التي جرت قبل نحو سبع سنوات (2012)، فقد اختار الاخوان في المرتين (وفي مرات اخرى ايضا) التحالف مع غيرهم، كما اختاروا التنازل عن قيادة النقابة لصالح الطرف الاخر، لكن ما بين التاريخين سالت مياه غزيرة جرفت «الجماعة» عن منصتها، وافقدتها جزءا كبيرا من طاقتها وحيويتها، ولهذا جاءت هذه النتيجة (نتذكر ان الاخوان خرجوا من انتخابات نقابة المهندسين الاخيرة خاسرين) لتعيد سؤالا مشروعا، وهو : هل كان (الاخوان) بحاجة الى هذا الفوز الان لكي يطمئنوا على رصيدهم الشعبي وعلى عافيتهم وحضورهم ايضا؟
ربما كان هذا الاحساس صحيحا ومفهوما ومتوقعا، لكن الاهم منه هو ان الاخوان -في تقديري - كانوا امام خيارين: خيار اثبات الوجود من خلال تسجيل اكبر عدد من «المقاعد» كرد على هواجس انعكاس المناخات الداخلية والخارجية التي «تظاهرت» على اضعافهم وتشتيتهم، وخيار دحض فكرة «الغلبة « والاستحواذ من خلال افساح مجال (الفوز) امام غيرهم على قاعدة «الشراكة» والتوافق، الخيار الاول كان مغريا بالطبع لكن كلفته عالية، اما الخيار الثاني فهو اكثر عقلانية لسببين، احدهما تطميني يتعلق بالرد على التهم التي لاحقت تجارب الاسلاميين ونفرت البعض منهم باعتبارهم لا يقبلون الشراكة مع الاخرين.
والاخر استراتيجي ويتعلق بتقديم بروفة مقنعة يمكن استثمارها لاحقا في اي انتخابات يشاركون فيها، وخاصة الانتخابات البرلمانية (كما حصل في قائمة الاصلاح الحالية) اذ ان قبولهم بالتنازل عن فكرة الغلبة سيبعث برسالة قوية الى الدولة والمجتمع بانهم استفادوا من اخطائهم وبانهم تجاوزا عقدة «الاستئثار» حتى لو اعطتهم الصناديق اقل من وزنهم في الشارع، لمصلحة «التوافق» والايثار المنسجمة مع استحقاقات المراحل الانتقالية.
يمكن ان يقال هنا بأن انتخابات المعلمين -كغيرها من النقابات - مسألة مهنية وليست سياسية، وبأن من حق جماعة الاخوان - شأن غيرها من القوى والتيارات السياسية الاخرى - ان تخوضها بالشكل الذي تراه، وان تفوز فيها ايضا بما تستطيع من مقاعد، فقد حصل ان حاز القوميون واليساريون على اغلبية مقاعد بعض النقابات والاتحادات الطلابية، بمعنى ان «الديمقراطية « في المجال المهني مفتوحة ولا تستوجب الحذر من «الغلبة» والاستحواذ، بينما هي في المجال السياسي (البرلمان تحديدا) بحاجة الى تفاهمات وتوافقات اخرى توزع العبء على الجميع، لكن ثمة من يرى عكس ذلك تماما، باعتبار ان المهني في بلادنا ليس معزولا عن السياسي، او ان موقف الاخوان من المجالين لا يختلف وبالتالي فان ما فعلوه في انتخابات المعلمين سيتكرر، وذلك دليل على ان الاخوان لم يتغيروا.
مهما تكن الحسابات والقراءات والاعتبارات، فقد اتاحت لنا انتخابات «المعلمين» فرصة لمعرفة جزء من تفاصيل (خارطة) مجتمعنا، ربما يكون مشهد فوز الاسلامين قد استأثر بالاهتمام وتسبب ايضا بالتغطية على الجوانب الاخرى (لا تسأل عن الاسباب؟) لكن هناك تفاصيل اخرى لا تقل اهمية وابرزها ما تميزت به الانتخابات من تنافس حر واقبال على الصناديق - وهذا يسجل للمعلمين-، وما عكسته الانتخابات من قدرة مجتمعنا متى توفرت له المناخات المناسبة على الذهاب الى الصناديق واختيار من يمثله -وهذه تسجل لمجتمعنا وتدل على ما يتمتع به من حيوية وعافية -، واخيرا ما بعثته لنا الانتخابات من رسائل مهمة بعضها كان يفترض علينا ان نستقبلها بجدية اكثر وخاصة على صعيد الاعلام الذي كان عليه واجب استثمار التجربة وطنيا بلا حساسية او انحياز، وبعضها استقبله المجتمع بوضوح وهو يتعلق بالقيم الوطنية والمهنية الجامعة التي انتصرت على دعوات الاقصاء والتقسيم وحسابات العزل واشاعة الكراهية، لدرجة يمكن ان نقول، بصدق وثقة، ان الذي فاز بانتخابات المعلمين ليس الاسلاميين ولا المستقلين ولا حتى المعلمين انفسهم .. وانما بلدنا ايضا.
الدستور