انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الكركي تكتب: النموذج الفنلندي في التعليم

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/11 الساعة 09:26
حجم الخط

زينا محمد الكركي *

بدءاً, لنستذكر أن رفعة الأمم وتقدمها يرتبطان ارتباطاً وثيقا بتنمية وتطوير العنصر البشري. ولنتفق أيضاً أن هناك امماً قطعت أشواطاً طويلة في تحديث انظمتها التعليمية وتطوير مواردها البشرية وتنميتها وتتضح هذه التطورات والجودة في انظمتها التعليمية من خلال الدرجات التي تحققها في بعض الاختبارات العالمية مثل اختبار بيسا ( برنامج تقييم الطلاب الدوليين) وتيمس ( اختبار الاتجاهات في دراسة الرياضيات والعلوم الدولية) فإذا نظرنا الى الدرجات التي حققتها دولة متفوقة في مجال التعليم مثل فنلندا وقمنا بمقارنتها بالدرجات التي حصلنا عليها بالأردن سنجد الأرقام صادمة والواقع مؤلم. ومن هنا، فإن النظر الى تجارب هذه الأمم والاستفادة منها اصبح بحكم الواجب علينا. في عصر سهولة الحصول على المعلومة وتوفرها حيث لن نقوم باختراع العجلة من جديد. علينا فهم ودراسة التجارب الناجحة وتطبيقها مع المحافظة على خصوصية ثقافتنا وقيمنا وتضمينها في نماذج تعليمية اثبتت نجاحها وفعاليتها.

في اختبار بيسا 2015 حصل الأردن على 409 نقطة مقارنة بمتوسط 493 نقطة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقارنة ب 531 نقطة لفنلندا في مادة العلوم. أما في الرياضيات فقد حصل الاردن على 380 نقطة مقارنة بمتوسط 490 نقطة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقارنة ب 511 نقطة لفنلندا. وبلغ متوسط الأداء في قراءة الأطفال في سن 15 سنة 408 نقطة ، مقارنة بمتوسط 493 نقطة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقارنة ب 526 نقطة لفنلندا.

بعد قراءة الارقام، لنلق نظرة عن كثب على النظام التعليمي الفنلندي ولنتعمق في تفاصيله علنا ندرك سره في احراز هذه النقاط التي تفوق المستوى المتوسط لباقي الدول.

أولاً، يتمحور التعليم في فنلندا حول خمسة مفاهيم اساسية وأولها مفهوم الدور النشط للطالب. ويرتبط الدور النشط للطالب بمفهوم التعليم المتمركز حول الطالب بدلا من التعليم التمركز حول المعلم. يتميز هذا النوع من التعليم بإشراك الطالب في العملية التعليمية منذ البداية وحتى النهاية وعدم حصر دوره على دور المتلق والمستمع. حيث يتوقع من الطالب الانخراط والمشاركة في التعلم من خلال طرح الاسئلة والعمل الجماعي وتقديم العروض وكتابة الاوراق والبحوث ويقوم الطالب هنا بعمليات فكرية ومعرفية من خلالها يصبح منتجا للمعرفة وقادرا على فهمها وإعادة صياغتها وبناءها وتقديمها.

والمفهوم الثاني هو أن التعليم يتم من خلال التفاعل وليس من خلال التلقين والحفظ. حيث يظهر مفهموم التعلم المبني على الظاهرة، حيث يعطى الطالب حق التساؤل عن الظواهر المحيطة به وطرح الأسئلة والحصول على الاجابات التي تروي فضوله . ويؤخذ في عين الاعتبار انماط التعلم المختلفة وتستخدم وسائل وطرق تناسب الانماط المختلفة ويكون التفاعل ما بين المعلم والطلاب وما بين الطلاب انفسهم وما بين الطلاب والبيئة المحيطة بهم.
أما المفهوم الثالث وهو ان التعليم تجربة عاطفية ايجابية فيها متعة التعلم والاكتشاف والارتباط بالاشخاص والاماكن والتجارب وليست فقط عملية تلقين تقتصر على تمرير المعلومات وحفظها بمعزل عن مشاعر المتعلم واهتماماته وشخصيته.

والمفهوم الرابع تطوير مهارات التعلم ( ان اتعلم كيف اتعلم) وهي مهارة مهمة جداً على الطالب اكتسابها لمعرفة الطرق الفضلى للتعلم التي تناسبه وتناسب نمطه التعلمي وتشمل أيضاً قدرة الطالب على إدارة الوقت والمعلومات والتنظيم وقدرته على الاستمرار في التعلم بلا ملل وتعب . اما المفهوم الخامس و الاخير وهو وعي الطلبة ومسؤوليتهم عن عملية التعلم وانغماسهم فيها ومشاركتهم. حيث يتوقع من الطالب ان يكون دوره ايجابيا فاعلاً.
اذا نظرنا الى المفاهيم الخمسة السابقة نلاحظ انها تتمركز اولا واخيرا على المتعلم ونمطه التعلمي واهتماماته وقدراته وتنقل هذه المفاهيم التعليم من مفهمومه التقليدي الذي يركز على المعلم ومعارفه الى المتعلم وخبراته وقدرته على المشاركة في مهمة التعلم. وينقل التعليم من مفهومه التلقيني الى مفهومه التفاعلي والتشاركي.

ويركز النظام التعليمي الفنلندي على مفهوم التعلم مدى الحياة، حيث يقدم هذا النظام فرصا لا متناهية للتعلم في جميع المراحل العمرية وفي جميع المجالات. بدءا من المرحلة التحضيرية للاطفال واستمرارا بالتعلم مدى الحياة. ومما يميز التعليم الفنلندي أن الخيارات تبقى مفتوحة امام جميع الطلبة اذا ارادوا الحصول على شهادات دراسات عليا حتى اذا كان تخصصهم مهني فهناك الجامعات التطبيقية للمهتمين بالمهن والحرف وهناك الجامعات البحثية و العلمية ايضاً. فخيار الدراسات العليا وارد ومتوافر لجميع الافراد من مختلف الخلفيات العلمية. وايضا الخيار مفتوح امام الجميع في الاستمرار بالتعليم للحصول على شهادة ورخصة او فقط التعليم اوالتدريب من اجل المعرفة فقط او من اجل تطبيق المعرفة في حرفة او مهنة.

أخيراً، لا يسعنا أن نبق على نظام تقليدي متحجر وقد دخلنا في الثورة الصناعية الرابعة والتي من الواجب ان ترافقها ثورة تعليمية لتواكب المتغيرات التي املتها علينا هذه الثورة الصناعية فيما يخص المهارات والتوقعات من الاجيال القادمة التي تقبع على مقاعد الدراسة في حالة ترقب وانتظار لما هو آت.

* مختصة في القيادة التعليمية والتواصل عبر الثقافات

مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/11 الساعة 09:26