إن وقع صوت ناقوس الخطر اليوم , بات أشد علّوًا وأكثر ضررًا وأفتكُ خطرًا وأكثر إيلامًا مُذّ سابِقهِ من الأيام ؛ فخطاب الكراهية بدأ يتفشى في المجتمعات الغربية في الآونة الأخيرة كإنتشار النار في الهشيم , الأمر الذي أوجبني لزامًا أن أضع النُقاطَ على الحروف من خلال مقالي هذا , بشكلٍ بعيدٍ كل البعد عن الشعارات الرنانة والعبارات النفاقيّة المهترئة التي ينادي بها أولي المصالح الشخصية وأصحاب المكاسب من الكاتبين والباحثين والسياسيين والقانونيين المستهترين بأرواح البشر ؛ وذلك من خلال قول كلمة الحق التي إعتدت عليها دائمًا وأبدًا ... ولا شيء غير الحق .
إن مهمتنا كبشر في هذا العالم هو أن نساند بعضنا البعض في سبيل النهضة البشرية والمجتمعية , وأن نحب الآخرين كما نحب أنفسنا لكي تستمر البشرية في وجودها , وذلك دون النظر الى معتقدات الآخرين , عرقهم , جنسهم أو حتى دينهم ؛ لذلك فإن ما نراه يحصل اليوم يجعلنا لزامًا أن نقف ونتأمل حقيقةَ ما آلت له البشرية في يومنا هذا من أوضاعٍ محزنة ومترديّة تبكي عليها القلوب وتدمع عليها العيون والله , فإن قتل الأبرياء –على إختلافهم- بسبب إنتمائهم لعرق أو دين أو عقيدة معينة أمر لا بل "مرض" مُقزز تشمئز منه العقول والله ؛ حيث إن من يعتقد أن طريقه الى الله يمر عبر الدماء والقتل لا يمكن أن يُعد من البشر قطعًا فالتطرف و الإرهاب مرفوضٌ بكافة أشكاله وأطيافة وهذا ما أكد عليه القرار رقم 2249 الصادر عن مجلس الأمن والذي أكد بأن "|{الإرهاب بجميع أشكالة ومظاهرة يمثل أحد أشد الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين وإن أي عمل إرهابي هو عمل إجرامي لا يمكن تبريرة بغض النظر عن دوافعة وبصرف النظر عن توقيته أو هوية مرتكبيه}|" .. فكيف بالحُريّ لو كان ضد البشر و في بيت من بيوت الله أو دار من دور العبادة !!
إن العقلية الجرمية القادرة على الفتك بأرواح بشرية مسالمة ما هي إلا تجمع سامّ لأفكار تطرفيّة , ومع التفاصيل التي تظهر تباعًا عن الإرهابي منفذ مجزرة مسجدي نيوزيلندا وعن أفكاره وايديولوجية الإرهاب التي تغذيه تَتَكشَّفُ لنا كمحللين وناقدين قانونيين وسياسيين حقائق هامة عن تفكير الإرهابي وتشكل الإيديولوجيا الإرهابية وانتشارها , وفي الحديث اليوم عن الإرهاب العالمي تتكشف أيضا أمامنا العديد من المفاهيم والمصطلحات الحديثة المُرعبة .. فكمختصين وباحثين نعلم وندرك بأنه حتى يتحول الإرهاب إلى ظاهرة فإنه يحتاج إلى أربع أعمدة للنهوض بها وهي (إيديولوجيا ، تمويل ، تنظيم ، وبيئة إجتماعية مساندة) وفي ظل ما جرى في السنوات القليلة الماضية بدول العالم الأول من عمليات إرهابية ؛ لربما يُمكِنُنا القول بأن الإرهاب قد إستكمل بناء أعمدته وأستوفى متطلباته وأدواته هناك .
فلو أخذنا واقعة نيوزيلندا كمثال واقعي نجد بأن الجاني والإرهابي قد قام ببث الحادث الأليم بشكل مباشر عبر تقنية (Live Broadcast) عبر موقعه الخاص ما يسمح لمليارات المشاهدين من مشاهدتها ؛ ولعل الغاية وراء ذلك واضحة كعين الشمس في كبد السماء , فقد كان يهدف من هذا الفعل (البث المباشر) إلى إلهام الآخرين وتشجيعهم على تبني الأيديولوجيا والتحرك ضمن تنظيم غير هرمي ودون قيادة موحدة ؛ -"وهذه قرينه لا تدع مجالًا للشك أو حتى الإجتهاد بالتفسير-" , بأن الجاني قد تحرك بدوافع شخصية لا تَجمُّعيّة ... فيكون من خلال عملية البث المباشر قد وَفرَ وبنى كافة الأركان التي أشرنا لها آنفًا وهي (الإيديولوجيا , والعمل على التنظيم ، وتشجيع البيئة الإجتماعية المساندة من ذوي النفوس المريضة , وفتح المجال أمام الجماعات المُموّله) ؛ وبالبناء على ما سبق من تحليلات علمية ممنهجة قائمة على أسس علمية وموضوعية فإننا نرى وبلغة قاطعة ومطلقة لا تدع مجالًا للشك أو الإجتهاد بالتفسير بأن هذا الحادث كان بدوافع شخصية –سواء كان صاحبة مختل عقليًا ام لا , فهذا لا يعنيني- .
الرحمة والسلام لأرواح كافة من وافتهم المنيّة في هذا الحادث المؤلم وهم في دار ربهم ؛ فإنتقلوا من بيت الله مباشرةً إلى جنات الخلد ؛ إن شاء الله .
وأتمنى من كافة المسيحين في أردننا الحبيب أن يرفعوا صلبانهم وينزلوا للشوارع ليتبرأوا من هذا العمل الجبانومن قام به , وذلك بالتزامن مع عقد صلاة خاصة في كافة الكنائس المسيحية في أردننا الحبيب عن أرواح أخوتنا الشهداء .
حفظ الله أردننا شامخًا عزيزًا متلاحمًا بين كافة أطيافة في ظل حامل الراية جلالة الملك عبداالله الثاني –حفظه الله ورعاه- .