دون جراحة مفصلیة للواقع الأردني بإصلاحات تتجاوز الترتیبات القائمة وتقفز على كل المصالح الفردیة والفئویة فإن الامر سیظل على ما هو علیه
من یتابع ما یجري في الأردن هذه الایام یصاب بالذهول. فالحكومة في واد والشعب ومشكلاته في واد آخر. على طول البلاد وعرضها تتوالد الازمات بمتوالیة هندسیة بعضها مرتبط بالبطالة والآخر بتعیینات اشقاء النواب واخرى نجمت عن ترشیح الوزیرة المقالة الى موقع جدید وتعیین ّ البعض خارج شروط المنافسة. المحافظات تعلي صوتها. الشارع العماني تحت وقع المعاناة التي عایشها تجار قاع المدینة جراء الامطار الاخیرة وما اظهرته من ضعف في الاستعداد للتعامل مع ابسط انواع الازمات والكوارث الطبیعیة الامر الذي اغضب التجار وفتح الباب للاسئلة حول این تذهب الموارد المالیة التي یجري تحصیلها من قبل الدولة والبلدیات والامانة.
في الطفیلة ومعان والكرك والبادیة وفي كل مكان یستغرب الناس كیف لا یسمح لهم بالاستثمار في تولید الطاقة الكهربائیة من الشمس والریاح بحجة ان الشبكة لا تستوعب وكیف تسعر الدولة الطاقة المولدة من قبل الاهالي بـ12 فلساً وتبیعها لهم بأكثر من عشرة اضعاف هذا السعر.
الشعور العام لدى الناس بأن الاجراءات التي تتخذها الحكومة في التعاطي مع مشاكل البلاد الاقتصادیة والاداریة وحتى السیاسیة غیر مجدیة ولا مناسبة وربما یذهب البعض لوصفها بالمعیقة لأي انفراج او تقدم. فالاستثمار لا یشجع بالخطابات وحفلات الاستقبال وزیارات الوفود وحملات الدعایة بل یحتاج الى إجراءات تحفیزیة على الأرض.
في مواجهة ازمة التشغیل ما الذي یمنع الحكومة من إنشاء شركات كهرباء في المحافظات تولد طاقة تسد حاجات هذه المناطق وتزود المستثمرین بطاقة كهربائیة بأسعار التكلفة لكي یأتي كل من یرید ان یستثمر دون سمسرة وشراكة استراتیجیة وتحت شروط تمكنه من المنافسة وتؤدي الى خلق فرص العمل التي یبحث عنها الشباب ولا تستطیع توفیرها الحكومة.
لقد حصل ذلك في البحر المیت وفي الدخان وفي تعیینات اشقاء النواب وحوار قانون الضریبة وطریقة معالجة الباحثین عن عمل وغیرها من الازمات.
في التاریخ الأردني تجارب یمكن الافادة منها فقبل ثلاثة عقود مر الأردن في ما یشبه الازمة عندما تحرك الشارع الجنوبي وطالب الناس بالاصلاحات فاستجابت الدولة واجریت الانتخابات وحدث الانفراج الذي أعاد للناس الثقة بالدولة والمؤسسات والمستقبل. بعد هذه الاحداث انتعشت الحریات ونشط الاعلام وانخفض مستوى الاستفزاز وزادت ثقة الناس بالحكومة والنواب والقضاء وتفتحت شهیة الجمیع نحو العمل الحزبي وتأسیس الجمعیات والمراكز البحثیة. في تلك الفترة كان الانسجام واضحا بین الدولة والشارع الأردني مما مكن الأردن من تجاوز آثار المواقف السیاسیة الغیر منسجمة مع موقف الولایات المتحدة ودول الخلیج العربي.
دون جراحة مفصلیة للواقع الأردني بإصلاحات سیاسیة واداریة واقتصادیة تتجاوز الترتیبات القائمة وتقفز على كل المصالح الفردیة والفئویة فإن الامر سیظل على ما هو علیه، ولن تفید كل الحلول الترقیعیة واستراتیجیات الاحتواء والتسكین التي أدمن البعض علیها.
الغد