مدار الساعة - كتب: عوّاد الخلايلة - لم يعد سراً الحديث عن أن المملكة تواجه اليوم أسوأ أزماتها التاريخيّة، على الاطلاق، بعد أن تكالبت عليها "صواعق" سياسيّة؛ محليّة وخارجيّة، إضافة إلى "ألغام" اقتصاديّة يشعر الأردنيون معها بأنهم وصلوا مرحلة نفاد القدرة على الصبر.
اليوم تصطدم سياسات الأردن الداخليّة والخارجيّة، معاً، بحائط لم تنجح أيٌّ من الحكومات منذ سنوات في اختراقه، حتى باتت عقده أشد تشابكاً من أن يجري التعامل معه، ضمن أدوات "إدارة الأزمة" التي اعتاد الأردنيون عليها لمواجهة التحديات.
اقتصادياً، ما يدعو إلى ريبة الأردنيين أنهم لا يواجهون خطر الفقر بعينه. فالأخطر من الفقر، هو في تفقيرهم المقصود. وهذا ما يشعر السياسيون أمامه بالقلق.
تحت وطأة السؤال عن سبب سياسة محاولات تفقير الأردن والأردنيين والأهداف المراد تحقيقها، يرى سياسيون أن تعقيدات الحالة الاقتصاديّة لم تأت فقط لأسباب تتعلق بفشل التعامل معها، بل في كون "أدواتها" الفاعلة موجّهة عن بُعد؛ وهو الشعور الذي أفصح عنه المسؤولون، وهم يتحدثون عن الحصار الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني.
أما سياسيّاً فها هو جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاري البيت الأبيض، يجري وفريقه التشطيبات الأخيرة لـ "صفقة القرن"، التي بدأ الإعداد "لحفلتها" من قبل معدّين كثر، قبل أن يجري الإعلان عنها رسمياً. وفيما يبدو أنها ستطلق رسمياً ما بعد الانتخابات الإسرائيلية. وهي التي سيكون على المملكة التعامل معها وحيدةً بعد أن بَصَمت عليها كثير من الدول العربية الفاعلة.
الخطير من حيث المملكة، هو أن تصفية القضية الفلسطينيّة، وبالشكل المطروح إسرائيلياً وأمريكياً يعني أنها ستتحول إلى أزمة محلية أردنيّة، خاصة وأن على رأس بنودها تذويب اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، وهو ما يعني قنبلة ديمغرافية سياسيّة، لن يتمكن الأردن من التعامل معها، وهو الذي بنى أساس بنيان دولته على كل ما تتعارض معه مخرجات صفقة القرن.
ويكمن التحدي الذي يواجه المملكة في صفقة القرن في شعبتين تتنازعان السخونة حتى الغليان. الأولى: في الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، والثانية في "توطين" اللاجئين الفلسطينيين.
الشعبة الأولى تتعلق بالوصاية الأردنية على المسجد الاقصى. وهذه كانت محور اللقاء الذي جمع رئيس الموساد الذي زار الأردن في الفترة التي أعقبت الاحتجاجات المقدسية على منطقة باب الرحمة. وجرى - وفق مصادر - الاتفاق لوجستياً على ربط الوصاية "بطريقة ما" بالمسجد الاقصى. وهو المطلب الرسمي للاردن.
لكن ما الذي يمكن فعله في الشعبة الثانية، وهي ملف تذويب اللاجئين؟
هو ملف ترتقي درجة غليانه حدّاً لا طاقة للسياسة الأردنيّة به، وبخاصة أن صانعي السياسة الأردنيّة ومنفذها معاً، محلياً وخارجياً يعتبرون ذلك خطاً أحمر لا يمكن قبوله.
في هذا التوقيت تماماً، تأتي الزيارة التي يقوم بها جلالة الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، وعلى أجندتها - وفق التسريبات الأمريكية – التعامل مع كل هذا..
صحيح أن تاريخ الاردن لم يكن يخلو من الأزمات، لكنها في السابق كانت تأتي فرادى. أما هذه المرة، فالأزمات متلاحقة ولا نهائيّة، لم تعتد المملكة على مواجهة نظيرها منذ تأسيس الإمارة، وذلك ضغوط متفرّعة من بعضها البعض: سياسيّة واقتصاديّة، داخليّة، وخارجيّة.
ترمب والنصرالبديل..
ولأنها أزمات جماعية، ها هي تفشل المفاوضات الأمريكية مع كوريا الشمالية، وهي المفاوضات التي كان يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن يضعها في جيبه وهو يخاطب الناخب الأمريكي بعد قليل، من هنا صار يبحث عن "نصر بديل"، ليحققه، وهنا تظهر في الواجهة القضية الفلسطينية، أو تصفيتها، أو صفقة القرن، سمّها ما شئت.
اليوم صارت الإدارة الأمريكية تنظر إلى "صفقة القرن" بصفتها ورقة ترمب الرابحة الوحيدة التي يمكن أن يتحدث بها إلى الناخب الأمريكي، ويقول له إنه نجح في إنجازها.
وهذا ما يدركه الإسرائيليون جيداً؛ لهذا عمدوا إلى رفع سقف مطالبهم، عبر ملفين؛ الأول: الموافقة على أن تصبح الدول العربية طرفاً في محاربة حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" إضافة الى حزب الله، أما الملف الثاني، فيتعلق بالحصول على تعويضات من الدول العربية عن أملاك اليهود فيها.
"مفاوضات" الإدارة الأمريكية مع الحكومة الإسرائيلية، انتهت إلى الاستجابة لملف دون ملف، فقد "وافقت" واشنطن على دفع الدول العربيّة تعويضات عن "الأملاك اليهوديّة في الدول العربيّة"، في حين أسقطت "الخيار العربي" للمشاركة في محاربة "حماس".
وهذا ما يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيسمعه في واشنطن خلال زيارته للولايات المتحدة قريباً.