مدار الساعة - طارق ديلواني - (اندبندنت عربية) - خلق دخول "التطبيقات الذكية" على خط النقل العام في الأردن حالة من الجدل الذي لا ينتهي في أحقية شركات عالمية مثل "أوبر" و"كريم" في المنافسة مع نحو 13 الفا من سائقي التاكسي الأصفر في العاصمة وحدها، وضمن ضوابط وشروط تهدد أرزاقهم ولا تحقق العدالة بين الطرفين حسب البعض، وتحت مبررات الحداثة والتطوير وتقديم الخدمة الأفضل للمواطن.
كراهية وظيفية
في أحد أحياء العاصمة الأردنية عمّان يعيش مواطنان أردنيان في بناية سكنية واحدة لكنهما على طرفي نقيض، فأحدهما يعمل منذ عشرات السنين سائقا للتاكسي الأصفر بينما يعمل الآخر منذ سنتين تقريبا بسيارته الخاصة مع شركة "أوبر" العالمية.
خلافا لكثير من السائقين يعيش معاذ وزياد حالة من الوئام والتفاهم بحكم الجيرة، لكن ظاهرة العداء والكراهية آخذة في التنامي بين سائقي التاكسي الأصفر من جهة والعاملين في "أوبر" و "كَريم" من جهة أخرى، بفعل غياب الدولة عن تنظيم قطاع النقل بعد أن قررت الحكومة الأردنية منذ نحو 15 عاما التخلي عن سياسة الدعم وترك الخدمات العامة نهبا لمزاج السوق وسياسة العرض والطلب والقطاع الخاص، امتثالا لتعليمات صندوق النقد الدولي ونهج "الخصخصة".
’مظلومية‘ الجيش الأصفر
يتحدث زياد السمان بمرارة عن مشاكل سائقي التاكسي الأصفر ولا يحصرها بمنافسة سائقي "أوبر" و"كَريم" غير العادلة برأيه. لذا تراه يطالب بتخفيض أسعار المحروقات وتوفير تأمين صحي وضمان اجتماعي.
مطالب زيد لا تقف عند هذا الحد، إذ يرى أن ثمة نظرة اجتماعية سلبية تكونت لدى المواطن الأردني عن سائقي التاكسي الأصفر، فالبعض -على حد تعبيره- يعتقد انهم من "الزعران" وذوي السوابق.
ويرى زيد أن نقابة سائقي التاكسي الأصفر غائبة تماما ولا تقوم بدورها ولا تقدم له ولزملائه أي دعم أو جهد لتحسين أوضاعهم.
يشكو زيد كما هو الحال لدى كثيرين من سائقي التاكسي الأصفر من كثرة مخالفات السير وتسلط رجال الشرطة. ويعتقد أن هنالك سياسة جباية واضحة لا علاقة لها بإنفاذ قانون السير.
البقاء للأفضل!
على العكس من ذلك، يرى معاذ عبد الله -الذي يعمل سائقا لدى "اوبر"- أن المواطنين الأردنيين "ملوا تصرفات ومزاجية سائقي التاكسي الأصفر وصار من حقهم الحصول على خدمة مميزة اثناء حلهم وترحالهم يوميا الى أماكن عملهم او وجهاتهم الخاصة".
ويضيف قائلا: "المواطن لمس فرقا كبيرا في التعامل والخدمة وحتى السعر لدى سائقي"اوبر " و" كريم" فضلا عن سهولة وأريحية التنقل عبر "التطبيقات الذكية" بلمسة واحدة على جهاز الهاتف الذكي بدلا من الانتظار في بعض الأحيان وفي ظروف جوية مختلفة لساعات، والخضوع لأهواء وجشع سائقي التاكسي الأصفر، من زيادة على الأجرة بحجة الأزمات أو رفض التوجه إلى أماكن معينة".
وينصح معاذ زملاءه "من سائقي التاكسي الأصفر بتحسين خدماتهم والتعامل بلباقة مع الركاب وسيلمسون الفرق. فالمواطن هو صاحب القرار والبقاء للأفضل".
يعترض زيد على حصر المسألة في جودة الخدمة المقدمة متسائلا بلهجة المستنكر: "أي عدالة تلك التي تسمح لمالك سيارة خاصة بالعمل ومنافسة سائق تاكسي أفنى حياته وهو يسدد ثمن "رخصة" تصدرها هيئة تنظيم قطاع النقل العام بحيث اصبح رهنا للبنوك ومؤسسات التمويل، عدا عن تراجع القيمة السوقية لهذه "الرخصة".
"الرخصة" التي يتحدث عنها زيد هنا اسمها المتداول بين الأردنيين "طبعة التكسي" وهي بدعة أردنية خالصة غير موجودة في بلدان أخرى وقد يصل ثمنها في بعض الأحيان الى نحو 100 ألف دولار أمريكي عدا عن ثمن سيارة التاكسي.
يرد معاذ على الذين يعتقدون أن العمل مع "أوبر" و"كَريم" لا تشوبه الصعوبات فيذكر بغياب حقوق السائقين مع هاتين الشركتين، وبانعدام مظلة مهنية لحمايتهم من أي تعسف، فضلا عن شروط الخدمة والتعاقد القاسية كشكايات الركاب وتقييماتهم التي تكون مجحفة وكيدية في بعض الأحيان، إضافة إلى عدم القدرة على العمل أكثر من 12 ساعة متواصلة.
يشار إلى أن الشركات التي تعمل بنظام التطبيقات الذكية مثل "أوبر" و" كَريم" تضع شروطا وضوابط صارمة للعاملين معها من قبيل توفير سيارات حديثة لا يزيد عمرها عن 5 سنوات، واللباقة في التعامل مع الركاب، والنظافة، والسيرة الذاتية الخالية من كل جُنحة.
ورغم ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" بشكل رسمي من قبل الجهات المختصة في الأردن فإن سائقي التاكسي الأصفر ومن خلفهم نقابتهم ما زالوا يطالبون بحظر العمل عبر هذه التطبيقات وينظمون على نحو دوري احتجاجات وفعاليات لشرح قضيتهم.
ويُسوِّغ نقيب سائقي التاكسي أحمد أبو حيدر موقفه بتضاؤل دخل أصحاب التاكسي وتضخم كلفة التشغيل، واصفا الوضع بالخطير والمقلق خاصة وأن عددا من السائقين حاول الانتحار للفت الأنظار إلى مايعانونه بسبب المنافسة "غير العادلة" لسائقي "أوبر" و"كَريم".
سباق التطبيقات
مع تحول التنقل بالتاكسي وخدمات" أوبر" و"كريم" إلى الطريقة الأكثر استخداما بالنسبة للأردنيين، تشير احصائية للنقل والمرور في العاصمة الأردنية صادرة عن أمانة عمَّان الكبرى أن 73 في المئة من السكان يجرون رحلتين يوميًا، وأن 13-14 في المئة من هذه الرحلات اليومية تتم باستخدام وسائل النقل العام والتي من بينها سيارات التاكسي.
ومن ناحية التكلفة، يشير تقرير صادر عن دائرة الإحصاءات العامة، إلى أن التنقل يشكل عبئًا ماليًا لا يُستهان به، على المواطن الأردني، حيث تشكّل تكاليف التنقل ما نسبته 20-25 في المئة من دخل الأسرة.
وثمة تقديرات بأن عدد السائقين العاملين في تطبيقات النقل الذكية يصل الى نحو 8 آلاف شخص، بينما تبلغ عدد سيارات التاكسي الأصفر في الأردن نحو 16 ألف مركبة، بينها 11 ألفًا و500 مركبة في عمّان وحدها.
يشار إلى أن هيئة تنظيم قطاع النقل البري منحت تصاريح لـ19 شركة تعمل بالنقل عبر التطبيقات الذكية.
ورغم هذا الجدل الدائر منذ أشهر، يعود زياد ومعاذ مساء كل يوم الى منزليهما وفي جعبة كل منهما هموم وآمال كبيرة. ففيما يحاول معاذ البحث عن طريقة لسباق الزمن قبل ان ينتهي عمر مركبته التشغيلي بحسب شروط "أوبر" ، يتجهز زياد ليوم آخر من المنافسة على "التقاط" الركاب بسبب ندرتهم وتحول مزاجهم.