أ.د. أمين المشاقبة
على هامش اللقاء التلفزيوني نبض البلد، محطة رؤيا حول المحافظين والليبراليين في الأردن، هنا تطرح أسئلة عدة منها هل نحن بحاجة لصراع فكري فلسفي حول هذه الأفكار؟ أم أننا بحاجة لحوار فكري يصب في مصلحة البلاد والعباد؟ هل المجتمع الأردني ليبرالي أم محافظ؟ أين يقف النظام السياسي من هذين المفهومين؟
حتى تتم الاجابة على هذه الأسئلة لا بد من تعريف المفاهيم الفلسفيّة الفكريّة هذه، المحافظة conservatism هي فلسفة سياسية واجتماعية تعزز الحفاظ على المؤسسات الاجتماعية التقليدية في سياق الثقافة والحضارة مع التركيز على أهمية الاستقرار والاستمرار تؤمن بالتغير بطريقة سلمية وتدريجية تنفر من التغير الثوري السريع وتسعى لتحقيق التوازن والنظام، أي الحفاظ على الواقع الراهن مع امكانية التغير والاصلاح التدريجي والسلمي مع احترام المؤسسات التقليدية في المجتمع.
أما الليبرالية Liberalism فهي فلسفة سياسية تركز على أفكار الحرية والمساواة وهي عدة أنواع منها الليبرالية الكلاسيكية التي تركز على الحرية، والليبرالية الاجتماعية التي تركز على المساواة وهناك الليبرالية المحافظة التي تتجه تطرفاً نحو اليمين في قيمها وسياساتها، وبشكل عام فان الليبرالية تركز على الفرد كونه قيمة بحد ذاته وحريته نقطة الانطلاق، وكذلك الحريات العامة، مثل حرية التعبير والصحافة والأديان، والسوق الحر، والحكومات العلمانية، والحقوق المدنية.
كل النظم السياسية تحمل في طياتها مبدأ الغائية مهما كان فكرها وفلسفتها السياسية وتسعى في غايتها الى الحفاظ على بقائها واستمرارها وتعزيز الاستقرار السياسي والانسجام الاجتماعي استنادا الى منظومة شرعيتها السياسية، واذا أمعنا النظر في حالتنا الأردنية أين نقع من ذلك هل نحن محافظون أم ليبراليون؟ علينا أن نفرق بين النظام السياسي والمجتمع، بالنسبة للنطام السياسي فإنه يسعى لاحترام المؤسسات التقليدية القائمة مع أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار ويسعى لإحداث التغيير والاصلاح الشمولي استنادا لمبدأ التدرج والسلمية، والملك في كل لقاءاته ينادي بالاصلاح السياسي والاجتماعي والحوارالموضوعي بعيدا عن الانغلاق والتطرف مع أهمية اشراك الجميع في العملية السياسية بطريقة سلمية متدرجة، ومشروعة بعيدا عن استخدامات العنف المادي، ودليل ذلك ما ورد في الأوراق النقاشية الملكية، أما الدستورالأردني فهو العقد الاجتماعي القائم بين الحاكم والمحكوم ويركز فصله الثاني من المادة 5 وحتى المادة 23 شارحا الحقوق المدنية، والحريات العامة.
أما المجتمع الأردني فهو مجتمع بأغلبيته تقليدي يمر بمرحلة انتقال الى المجتمع المحدث ولا تنتفي الأبعاد المحدثة في العديد من مكوناته ومؤسساته وعليه فان الاردن بمنظومته الرسمية والاجتماعية يحملان ويمارسان أبعاداً محافظة وأخرى ليبرالية فهو اذا نظام مختلط فلسفيا، أما المجتمع فهو تعددي في أفكاره وفلسفاته من أقصى اليمين الى أقصى اليسار.
نحن اذن بغنى عن أي صراع فلسفي حول مثل هذه الأفكار نحن بحاجة الى حوار فكري موضوعي بعيداً عن احتكار الحقيقة والانغلاق، وبعيدا عن المهاترات والردح الاعلامي نحن في الأردن بحاجة إلى الوئام أو التكامل الاجتماعي الذي يخدم أهداف وغايات النظام والتي تبدأ بالحفاظ على الأمن والاستقرار وتمكين معادلة النجاح النسبي والاستقرار السياسي ومع الاصلاح الشمولي استنادا الى التدرج والسلمية هكذا نحن دوما في الحفاظ وديمومة المؤسسات الدستورية والمؤسسات التقليدية الاجتماعية ونظام يسوده العدل والمساواة والحرية المنضبطة نسبياً.
لا نريد الليبرالية المتوحشة مثل اليمين الليبرالي الجديد المتطرف والمتصهين، ولا نريد المحافظة كرجعية ضد التقدم والابتكار نحن مجتمع وسط يسوده الاعتدال والتوازن فاية طروحات لا تستقيم مع الواقع لا قيمة لها، دعونا نضع أقدامنا على الأرض ونشمرعن السواعد للعمل في مواجهة التحديات والصعوبات التي يواجهها الأردن، يكفي ثرثرة ورغاء لمن لا يعرفون التاريخ السياسي للدولة الوطن، فالوطن ليس حقيبة أو منصباً؛ الوطن هو المؤل والمكان الذي نعيش فيه ونعرفه جيداً وحميناه ونحميه.