انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات شهادة جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الأردن وتركیا.. الزیارة والدلالات

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/05 الساعة 13:44
حجم الخط

تحرر الإرادة وصیانة استقلالیة القرار الأردني وتنویع الخیارات

في الشرق والغرب لا یوجد بلد یحتفظ بعلاقات متوازنة مع جیرانه واصدقائه واشقائه كما فعل الأردن. فبالرغم من الصراعات التي اجتاحت العالم العربي والحرائق التي اشعلها الصراع ظل الأردن البلد الوحید الذي بوسعه التحدث مع كافة الفرقاء العرب وغیر العرب بلا وساطة أو تحفظ.

خلال الأوقات الصعبة التي عایشتها البلدان العربیة اسهمت سیاسة الأردن الخارجیة المتوازنة في الحفاظ بدرجة كبیرة على مبدأ عدم جواز التدخل بالشؤون الداخلیة للجیران واحترام وحدة أراضي الدول المجاورة والنظر إلى الحروب الأهلیة كشأن داخلي فلم یقطع الأردن علاقاته بأي من الدول العربیة وبقي محتفظا بمستوى مناسب من التمثیل الدبلوماسي مع الجمیع.

الحراك السیاسي خلال الأیام والأسابیع الماضیة أظهر مستوى الرشاقة والدینامیكیة التي تتمتع بها الدبلوماسیة الأردنیة. فقد استقبل الأردن خمسة وزراء خارجیة عرب في لقاء تشاوري لتأسیس تحالف یقف في وجه التهدیدات التي یتفاوت تقییم الاطراف لمصادرها ودرجة خطورتها وقد تزامنت الزیارة مع الاستعدادات التي كان یقوم بها الدیوان الملكي لزیارة ملكیة رسمیة لتركیا وأخرى لتونس.

في الزیارة الملكیة تعبیر عن تقدیر الأردن لدور تركیا الاقلیمي ومواقفها من القضیة الفلسطینیة وتجدید للرغبة في التعاون الثنائي بین البلدین في المجالات الاقتصادیة والسیاسیة والأمنیة حیث تتطابق وتلتقي المصالح الاستراتیجیة لكل منهما. فمن بین دول الشرق الأوسط كان الأردن وتركیا الأكثر وضوحا في رفضهما لما سمي بصفقة القرن والأكثر التزاما بالشروط والمبادئ والقرارات الأممیة المؤیدة لحق الشعب الفلسطیني في اقامة دولته المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس والإیمان بحق الأردن في الوصایة على المقدسات الإسلامیة في القدس.

في هذه الزیارة بدا الأردن وكأنه یتحرك بین اصدقاء یشاركونه الرؤیا والإیمان والتوجه والموقف دون تردد أو مسایرة فهو لا یتبنى مواقف جاهزة ولا یسترضي أحدا أو یتحرك على استحیاء لدعم اطماع توسعیة أو رغبات في العرقلة والانتقام كما یحدث في العدید من الأوساط العربیة.

الحرص الأردني على تحرر الإرادة وصیانة استقلالیة القرار وتنویع الخیارات كان واضحا في توقیت الزیارة وسیاقها ورمزیتها فقد أكد الجانبان على العلاقات التاریخیة وتطابق وجهات النظر والمواقف فیما یخص القضایا الاقلیمیة وفي مقدمتها القدس وفلسطین وتباحثا في آفاق تطویر التعاون الاقتصادي والتنسیق الأمني بما یخدم مصالح الشعبین. وكما في تركیا جاءت الزیارة الملكیة لتونس تعبیرا عن دعم الأردن للدیمقراطیة التي تترسخ في هذا القطر العربي وسعیا لتعمیق الصلات العربیة الأردنیة بدول المغرب العربي بعدما تعرضت لشيء من الفتور.

على المستوى الاقتصادي شهدت العلاقات الأردنیة العراقیة تطورا ملحوظا اسفر عن توقیع عدد من الاتفاقیات وفتح الحدود والإعلان عن المباشرة بتزوید الأردن بجزء من حاجاته للنفط مقابل خفض الرسوم على الواردات العراقیة والتهیئة للربط الكهربائي والخط الناقل للبترول العراقي عبر العقبة وغیرها من الخطوات التي شكلت بارقة أمل للشعبین الشقیقین.

في الحوار الذي اجرته إحدى القنوات العراقیة مع خبیر أردني سأل المذیع ضیفه الأردني عما یمكن أن تجنیه العراق من هذه الاتفاقیات والتقارب وما لدى الأردن من میزات یمكن أن تستفید منها العراق. لا انكر أن المذیع فاجأني لكن السؤال لیس غریبا ولا جدیدا فقد اصبح شائعا یطرحه العرب وغیرهم بطرق مختلفة. لقد قال الضیف الأردني الكثیر عما یمكن أن یقدمه الأردن من خبرة ومعرفة وتسهیلات وأسواق عالمیة مفتوحة لمنتجاته.

ما لم یقله الخبیر الأردني أن لدى الأردن سمعة واحتراما وقبولا عالمیا یصعب أن تجد له مثیلا وقد تأسس ذلك على سماحة دینیة ومحبة إنسانیة والتزام بالمبادئ والمواثیق وبعد عن العداء والتزمت وسعة صدر مكنته من استیعاب العروبة والموازنة بین التناقضات فأبقى على علاقات طیبة مع المعتدي والمعتدى علیه، والظالم والمظلوم، والمتعجرف والمتسامح، فظل على علاقة طیبة بالاخوان المسلمین الذین حوربوا في كل أرجاء المشرق والمغرب دون أن یعادي العسكر، وظل یحترم الشیعة دون أن یغضب السنة ویعیش على أرضه الیوم السوري والعراقي والمصري واللیبي والسوداني والیمني كما یعیشون في بلدانهم وبین أهلهم. العبقریة الأردنیة شيء من السهل الممتنع الذي لا یدركه الكثیر من الاخوة العرب فیراه البعض على انه غموض أو تردد ولم یتنبهوا إلى أن هذا أحد أهم السمات التي ابقت على الأردن سلیما وسط كل هذا الصخب والفوضى. الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/05 الساعة 13:44