عبدالرحمن خالد الطوره
بدلا من قانون "من أين لك هذا " وهو مطلب المواطنين كل المواطنين لمحاربة الفساد المالي، وضعت الحكومة وبالتوافق مع مجلسي النواب والأعيان صيغة قانونية من الصعب ان لم يكن من المتعذر تحقيق الأهداف التي وضعت من أجلها، أسمتها قانون "الكسب غير المشروع رقم 21 لسنة 2014م وتعديلاته بدلا من قانون اشهار الذمة المالية رقم 56 لعام 2006م"، وبناء على هذا القانون يطلب من الوزراء والنواب والأعيان وكبار رجال الدولة قبل اشغالهم مواقعهم الجديدة الافصاح عن املاكهم، أو اشهار ذممهم المالية. ولكن هذا الأشهار ليس علنيا يعرفه الناس او أصحاب القرار، وأنما هو أقرار سرّي لايعرفه الا صاحبه، يدوّنه ويضعه في مغلف مغلق ويسلّمه الى دائرة خاصة بذلك في وزارة العدل، ولا يجوز فتحه من قبل أية جهة رسمية مخولة الا اذا ظهرت لدى الموظف العام علامات ثراء ملفتة للنظر تستدعي الشك بانها مشبوهة المصدر، فحينها فقط يتم الاستفسار من الشخص المعني عن هذه الظاهرة وتفسيرها وتبريرها، واذا لم تقتنع الجهة المعنية بتبريرات الشخص المعني ، عندها فقط يمكن الأطلاع على الأقرار الموجود داخل المغلف ، للمقارنة بين الأملاك والثروات المفصح عنها في الأقرار قبل اشغال الموقع ، وما طرأ من زيادة عليها بعد ذلك، وهل أن هذه الزيادة منطقية ومبررة على ضؤ الوضع الجديد لشاغل الموقع العام ؟ فاذا كان الوضع مبررا أغلق الملف ، أما ان كانت هناك شبهة فساد أي أثراء غير مشروع ناتج عن استغلال المنصب الوظيفي يتم احالة الموضوع الى القضاء ، وهي حالات نادرة طيلة عمر الدولة الأردنية ان لم تكن معدومة، والأدهى من ذلك ان كثيرا من النواب والاعيان وكبار رجال الدولة لا يتقيدون بهذا القانون الذي شرعوه، فلا يقومون باشهار ذممهم المالية ضاربين عرض الحائط بالقانون وكأن شيئا لم يكن!
ان هذه الآلية المتبعة في اشهار الذمة المالية هي التفاف على القانون الحقيقي الذي يحارب الفساد والأثراء غير المشروع بشكل جدّي وحقيقي الا وهو قانون من أين لك هذا . فالأجراء الحقيقي هو أن يكون اقرار الأشخاص المعنيين بذلك علنيا وقبل اشغالهم لمواقعهم الرسمية، بحيث يتم مساءلة كل واحد منهم من أين وكيف حصل على هذه الثروة أولا ، وبعد ذلك يمكن بسهولة مراقبة مايستجد على احواله المادية ، وفيما اذا كانت هناك زيادات ملفتة للنظر تستدعي التحقق من سلامة مصادرها. أما القانون الحالي، قانون الكسب غير المشروع أوالافصاح عن الذمة المالية، فالاقرار فيه شكلي لايؤدي الى تحقيق الغرض الرئيسي من تشريعه .
لقد اقتصر القانون فقط على الأشخاص الذين سيشغلون مواقع حكومية رسمية بهدف محاربة الكسب غير المشروع المتأتي من استثمار المنصب أو الوظيفة العامة مع أن الفساد والثراء المشبوه ليس خاصا فقط بكبار رجال الدولة، وأنما هو ظاهرة موجودة عند أفراد وجماعات لا تشغل مواقع متقدمة، ومع هذا أثروا على حساب الوطن بأساليب مشبوهة من خلال الرشاوى والسرقات المغطاة قانونيا، ومن عمليات التهريب والاتجار بالمخدرات وغير ذلك، وهذه النماذج لا يطلب منها اشهار ذممها المالية، ولا يسألون كيف جمعوا تلك الأموال والعقارات مع ان الكثير منهم أثرى بطرق ملتوية، ولديهم من الأملاك والعقارات ما لا يملكه لا وزير ولا أي مسؤول حل في أرفع المناصب ..
ان القانون الحقيقي للقضاء على الفساد وأجتثاثه من جذوره هو قانون "من أين لك هذا ؟" والذي يطبق على الجميع دونما استثناء، وبهذا القانون فقط يمكن مساءلة كبار رجال الدولة والمواطنين العاديين من أين حصلوا على هذه الاموال، وكيف أصبح بعض المواطنين يملكون الثروات الطائلة رغم أن الكثيرين منهم بدون مؤهلات علمية أو فنية ولا شغل مواقع متقدمة ، ولاورث أملاكا عن والديه لكنه أصبح بين عشية وضحاها من أصحاب الملايين؟!.