انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

ثنائیة العشیرة والدولة

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/25 الساعة 00:48
حجم الخط

”غطا البدوي“ لوصف العلاقة بین الدولة والعشیرة

من الشمال إلى الجنوب ومن البادیة إلى الأغوار یوجد استعداد لدى العشائر لمساندة الابناء إذا ما احسوا بانتقائیة انفاذ القوانین وضعف أو تردد الدولة في تطبیقه على الجمیع

العلاقة بین العشیرة والدولة علاقة السهل الممتنع. فتارة تتكامل وظائفهما وأخرى یصعب أن تجد وصفا یساعدك على الفهم والتحلیل، فقد نشأت الدولة في مجتمع كانت تسوده العشائر وتمكنت اجهزتها من إعفاء العشائر من مسؤولیات الحمایة والملاحقة والدفاع. بالمقابل سلبت الدولة العشیرة بعض وظائفها المتعلقة بإدارة الموارد واتخاذ القرارات واقامة الأحلاف وغیرها من الوظائف التي اكسبت الشیوخ نفوذا لا حدود له.

في سبعینیات القرن الماضي استخدم أحد شیوخ العشائر الأردنیة مصطلح ”غطا البدوي“ أو غطاء البدوي لوصف العلاقة بین الدولة والعشیرة قاصدا ان الدولة تلجأ للعشیرة عند الحاجة لكنها تهملها عند الرخاء والاستقرار كما یفعل البدوي الذي یتدثر بغطائه عند البرد ویعود لیبعده عند شعوره بالدفء.

هذا الوصف دقیق ومعبر إذا ما تتبعنا طبیعة تطور العلاقة بین الدولة والعشیرة. كانت العشیرة العامل الاهم والحاسم في ترسیخ استقرار الدولة وبسط نفوذها عند التأسیس، والدفاع عنها في مراحل المد الشیوعي والقومي وظهور التنظیمات الثوریة. ورغم هذا الدور واهمیته فقد شكلت نزعة المحاصصة والاستحقاق عائقا من معیقات التقدم وسببا في اضعاف خیارات الدولة للسیر بخطى أسرع نحو الحداثة والمستقبل.

ورغم كل ما یجري من حدیث حول الدولة الحدیثة ومجتمع سیادة القانون، بقیت العشیرة الوحدة السیاسیة الأهم والمكون الاجتماعي الأبرز واللاعب السیاسي الأكثر فعالیة والمحدد الأهم لحصول الأفراد على المواقع والمراكز والادوار في البناء السیاسي والإداري للدولة.

في الأردن ما تزال الانتخابات البرلمانیة والبلدیة وحتى النقابیة والطلابیة على أسس عشائریة، وتشكل الحكومات بطرق تاخذ بعین الاعتبار حصص المناطق والقبائل والتشكیلات العرقیة والدینیة والجهویة. ولتكریس صورة العشیرة وعلاقتها مع الدولة حافظت جمیع قوانین الانتخاب للبرلمان الأردني على مناطق البادیة كمناطق انتخابیة مغلقة یجري الترشح والاقتراع فیها على اساس عشائري دون أي اعتبار لعناوین الاقامة.

ورغم حرص الدولة على الحفاظ على هیاكل العشیرة فقد اسهم الخطاب الحداثي الجدید للدولة وممارسات بعض الاجهزة والحكام الإداریین في احداث تغییرات شكلیة على المراكز الموروثة والبنى القائمة ما ساعد على ظهور قیادات جدیدة تنافس القیادات التقلیدیة وتعمل على اضعاف مراكزها وتأثیرها. ورغم ذلك فقد بقیت العشیرة ملاذا آمنا لجمیع افرادها یعودون لها في الازمات والشدائد ویستجیرون بها عندما یشعرون بالتهدید ویحتاجون للحمایة.

على الصعید الاجتماعي بقیت العشیرة التنظیم الأبرز والأهم في إدارة المناسبات المرتبطة بالزواج والموت والترقیة واسست غالبیة عشائر الأردن لانفسها روابط وجمعیات الحقت بها دواوین ومضافات لتكون العناوین والنقاط التي یلتقي ویلتف حولها الأعضاء وهم یشعرون بالحیازة المشتركة للرمز والمكان.

العلاقة التاریخیة بین الدولة والعشیرة تشهد الیوم تحولات جذریة تتطلب المراجعة واعادة التعریف فمن ناحیة اسهم السیر باتجاه الخصخصة والتخلي التدریجي للدولة عن ادوار الرعایة الشاملة إلى تراجع اعتماد العشیرة على الدولة وشعور الأعضاء بالغبن والخذلان الذي تطور في حالات معدودة إلى احساس بالظلم والعتب الشدید. بالمقابل تحاول الدولة من وقت لاخر صیاغة وتبني أسس معیاریة للمنافسة والتقدم بعیدة عن ثقافة الاستحقاق والامتیازات التي اعتادت علیها العشائر الأمر الذي قد یغذي الاحساس بالجفاء والشعور بالتمییز لدى ابناء العشائر.

في مثل هذه الأجواء ولاستمرار حالة اللاحسم في العلاقة بین الدولة والعشیرة یلجأ البعض إلى استخدام العشیرة كغطاء سیاسي اجتماعي من خلال المبالغة في تبني خطابها والدعوة لوحدتها وتألیب اعضائها للخروج على سلطة الدولة باعتبارها خصما للعشیرة تتقصد التمییز ضد ابنائها.

الانتهازیة التي تدفع البعض إلى استنهاض وانعاش روح التضامن الذي تتسم به البنى العشائریة اصبح إحدى الظواهر التي تتكرر على مرأى ومسامع الجمیع. التناقض المستمر بین خطاب الدولة الحداثي وممارساتها العشائریة كانت السبب الأول والأهم في تنامي ثقافة الاستحقاق والتأرجح بین تبني القیم المؤسسیة نظریا والارتماء في حضن العشیرة للحمایة والاسناد.

من الشمال إلى الجنوب ومن البادیة إلى الأغوار یوجد استعداد لدى العشائر لمساندة الابناء إذا ما احسوا بانتقائیة انفاذ القوانین وضعف أو تردد الدولة في تطبیقه على الجمیع، فبالنسبة للعشیرة هناك هویة مشتركة والأعضاء شركاء في السمعة والسمات والتاریخ والمجد.

لذلك، ولكي لا یحدث ما لا نود ان نراه جمیعنا، على المؤسسات ان تكون واضحة وعادلة وحازمة وشفافة وسریعة. الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/25 الساعة 00:48