منذ أن أجري التعدیل الاخیر على حكومة الدكتور الرزاز وانا اتابع الخطوات والافكار والبیانات التي یدلي بها الوزراء خصوصا اولئك الذین یحملون الحقائب التي تعنى ببناء الانسان.
خلال الأیام الأخیرة جلب انتباهي تصریحات لمعالي وزیر الشباب والثقافة حول نیته تأسیس مجالس ثقافیة واكادیمیات سیاسیة في المحافظات.
لا اعرف بعد كیف ستتعامل الاوساط الثقافیة والشبابیة مع هذه الافكار وفیما سیكتب لها النجاح، لكنني اعتقد انها افكار مهمة یمكن بلورتها وتطویرها لتوسیع قاعدة المشاركة في صناعة القرار. لكن السؤال الأهم الذي اتمنى على معالي الوزیر ان یفكر فیه جیدا یتعلق بماهیة الاسباب المسؤولة عن قلة مشاركة الشباب. فهل یعود تدني المشاركة لقلة معرفتهم ام ندرة الفرص وفیما اذا كان لخطورة المشاركة السیاسیة على مستقبلهم الوظیفي اي تأثیر على عزوف الشباب عن دخول الاحزاب وممارسة الانتخابات والانضمام الى الاتحادات الطلابیة؟
الشباب الاردني حائر ویعاني من ازمات مركبة. فبالإضافة الى قلة الموارد وندرة الفرص یواجه الشباب الكثیر من المشاعر المختلطة بعض هذه المشاعر ولیدة للتناقض بین ما نقول وما نفعل. الكثیر من الشباب لا یجدون انفسهم في البیئات والاوساط الاجتماعیة والتنظیمات التقلیدیة ویتطلعون الى الانفكاك والتخلص منها.
في الاردن هناك فجوة واسعة بین ما تتضمنه الادبیات حول الشباب وما یقوله الواقع. ومن الصعب ایجاد شواهد تدعم الصورة التي تقدمها الكتب والتقاریر لاوضاع الشباب في الأردن.
وفیما یخص المؤسسات التي تعنى بالشباب تبدلت هیاكل واهداف ومسمیات المؤسسات التي افردت للتعامل مع الشباب. فمن مؤسسة رعایة الشباب الى وزارة الشباب الى المجلس الاعلى للشباب الى الوزارة مرة اخرى. اضافة الى ذلك فقد جرى سلخ الریاضة عن الشباب لتتقاسمها اللجنة الاولمبیة والاتحادات المختلفة.
في الأردن الیوم لا یكاد یخلو اي خطاب او حوار لمسؤول أو اكادیمي أو اعلامي حول الشباب او معهم من الاشارة الى انهم یشكلون النسبة الاكبر من السكان وان لهم نصف الحاضر وكل المستقبل، ولا ینتهي الخطاب او الحوار دون الاشارة والتأكید على انهم یملكون طاقات كبیرة ینبغي استثمارها في احداث نهضة وطنیة.
بعیدا عن كل الخطابات المنمقة والشعارات البراقة فقد اتسمت النظرة المجتمعیة للشباب بالكثیر من التناقض بین الاقوال والافعال وبین السیاسات والبرامج. على المستویات الرسمیة والاهلیة یجري النظر للشباب باعتبارهم قوة خلاقة وطاقة تحتاج الى تنمیة وادارة واستثمار فتأتي التشریعات لتقید مشاركتهم والمبادرات لتهمیش ادوارهم. الافكار والمقترحات والمبادرات التي یطرحها الشباب تولد الكثیر من المخاوف والمحاذیر لدى القائمین على هذه المؤسسات ومن یساعدهم على ضبط وادارة وتوجیه الشباب.
في غالبیة الجامعات المنتشرة على مساحة البلاد تحولت التنظیمات الحداثیة المتمثلة بالاتحادات والمجالس الطلابیة الى تجمعات عشائریة وجهویة بدلا من ان تصبح منابر فكر ومنصات للتنمیة والتغییر وقد تم ذلك بتواطؤ كبیر من ادارات المؤسسات التعلیمیة والسیاسات العامة التي عملت على تقیید عمل الاحزاب ووجودها في الجامعات.
ازمة الشباب الیوم لا تاتي من قلة المعرفة ونقص الوعي السیاسي بقدر ما هي نتاج للحرمان الممنهج للشباب من المشاركة الفعلیة التي تحترم عقولهم وامكاناتهم وتستند الى الایمان الصادق بقدرتهم على العمل والتغییر وتحمل المسؤولیة. الغد