مدار الساعة - كتب: عمر عبيدات - واشنطن
دخل اليوم الإغلاق الحكومي الأميركي الأطول في التاريخ يومه السادس والعشرين دون أي بوادر تلوح في أفق واشنطن لإنهاء الأزمة..
وفي مطلع الأسبوع الثالث من هذا العام لا يبدو أن المشهد تغير كثيرا هنا عما كان عليه خلال الأسبوعين الأخيرين من العام الماضي باستثناء إقرار مجلس النواب الذي بات يهيمن عليه الحزب الديمقراطي مشروع قانون للإنفاق الحكومي يسمح بتمويل جميع مرافق الحكومة الفدرالية حتى نهاية السنة المالية في ٣٠ أيلول المقبل باستثناء وزارة الأمن الوطني التي أقر تمويلها في بند مستقل حتى الثامن من الشهر المقبل بانتظار اتفاق الكونغرس مع البيت الأبيض على تمويل طويل الأجل يأخذ بالحسبان مطلب الرئيس دونالد ترامب بتخصيص خمسة مليارات وسبعمئة مليون دولار لتمويل إنشاء جدار عند الحدود مع المكسيك كان قد وعد به ناخبيه قبل أكثر من عامين.
مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون ويتزعم الغالبية فيه السناتور ميتش ماكونيل حليف ترامب في الكونغرس يرفض مجرد التصويت على مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب بذريعة حتمية نقض ترامب له لعدم تضمينه أي بند يسمح بتمويل إنشاء الجدار الأمر الذي سيعيد اللعبة إلى مربعها الأول.
وبينما يتمسك ساسة واشنطن عن الحزبين بمواقفهم بحثا عن مكاسب انتخابية وخوفا من خسائر سياسية محتملة في أي انتخابات مقبلة يعاني ٨٠٠ ألف موظف حكومي ومتعاقد معها من توقف رواتبهم ومخصصاتهم المالية منذ ٢٥ يوما ما يلقي بالعبء على أكثر من مليونين ونصف المليون أمريكي إذا أخذنا في الحسبان متوسط عدد أفراد الأسرة الأمريكية الذي وصل عام ٢٠١٧ إلى ٣.١٤ فرد للأسرة الواحدة ولكن التداعيات المالية الأوسع لهذا الإغلاق تتجاوز هؤلاء لتصل إلى الاقتصاد الأمريكي بشكل عام الذي يعتمد على الإنفاق والاقتراض والتمويل لتحريك عجلته الضخمة ناهيك عن تداعياته السلبية على معنويات المستثمرين والمضاربين في أسواق المال. تداعيات الإغلاق بطبيعة الحال لا تقتصر على الوضع الاقتصادي فحسب إذا علمنا أن وزارات في منتهى الأهمية من بينها الخارجية والمالية والأمن الوطني والعدل من بين تسع وزارات توقف تمويلها منذ الثاني والعشرين من الشهر الماضي بكل ما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على أمن البلاد ورفاهها وعلاقاتها الخارجية، ولعل أبرز ما يعنينا في الأردن بهذا الخصوص المساعدات الأمريكية السنوية لنا التي وصلت العام الماضي إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار بزيادة قدرها ربع مليار عن متوسط المساعدات السنوية البالغ مليارا و ٢٧٥ مليون دولار الذي تم الاتفاق عليه العام الماضي في إطار خطة دعم تستمر خمس سنوات بين عامي ٢٠١٨ و ٢٠٢٢ تصل قيمتها إلى ستة مليارات و ٣٧٥ مليون دولار .
هذه المساعدات حسب نص الاتفاق وحسب القوانين والأنظمة والتعليمات الأميركية لا تصرف إلا بتوفر المخصصات التي باتت رهينة خلافات الحزبين في واشنطن واصرار ترامب على بناء الجدار الذي يعتبر أنه ضروري جدا للأمن الأمريكي. هذه الحسابات ربما كانت الدافع الأكبر وراء بيان أصدره مؤخرا القائم بأعمال السفارة الأمريكية في عمان جيم بارنهارت قال فيه إن العلاقات بين البلدين تتجاوز في عمقها نقص التمويل الذي تواجهه وزارة الخارجية الأمريكية في رسالة تهدف على ما يبدو لطمأنة الخائفين ومواجهة المشككين ولكنها تظل بلا شك حبرا على ورق بانتظار انتهاء الأزمة وعودة سيل المساعدات الأمريكي إلى مجراه.