من أصول أهل السنة والجماعة الإيمان بالقدر، خيره وشره، حلوه ومره، لكن ما معنى القضاء والقدر، وما موقف المسلم منهما؟ القضاء: هو «علم الله تعالى في الأزل بالأشياء كلها على ما ستكون عليه في المستقبل». والقدر: «إيجاد تلك الأشياء بالفعل طبقا لعلمه الأزلي المتعلق بها».
ونحن نعلم أيضا، أن الله تعالى خلق للإنسان إرادة حرة يختار من خلالها ما يشاء، إما الخير وإما الشر، إما الإيمان وإما الكفر، إما الطاعة وإما المعصية. والله تعالى أرسل رسله ليرشدوا عباده إلى الخير والإيمان والطاعة وينهاهم عن الكفر والمعصية والشر. والإنسان يحاسب على اختياره الذي اختاره وفق إرادته الحرة، وهذا ما يسميه علماؤنا بـ (الكسب).
إذا عرفنا ما سبق، تبيّن لنا أن الإنسان له إرادة واختيار، وهو يحاسَب على اختياره، بعد أن أقيمت عليه الحجة بإرسال الرسل. والله تعالى يعلم أزلا ما هو اختيار كل واحد منا؛ لأنه لا يخفى عليه شيء سبحانه، وعلمه الأزلي هذا لا ينافي وجود الاختيار للإنسان.
لا شك أن بعض الأمور لا اختيار فيها للإنسان، ومثالها: متى ولد، ومتى يموت، ولونه، وطوله، وشكله وغير ذلك، فهذه الأمور لنا أن نقول: إن الإنسان مجبر عليها؛ لانعدام اختياره فيها، وعليه أن يسلم للقضاء والقدر فيها، ولا يُحاسب عليها.
أما اختياره للإيمان أو الطاعة أو الخير أو أضدادها، فيحاسب عليه لاختياره لها، وهنا لا نستطيع أن نلقي بإخفاقاتنا على (شماعة) القضاء والقدر؛ لأنهما علم الله وإيجاده لما اخترناه نحن.
فعلى الإنسان أن يعمل جاهدا في تغيير ما يسوء من أحواله في دراسته أو عمله أو زواجه، وأن يبذل كل جهد في سبيل تطوير نفسه وبلده، وتحرير مقدساته، ولا يتحجج بالقضاء والقدر، لأن هذه الأمور نحن من يختارها، ومن بيده تغييرها، ولكنها أسباب ومسببات، فمتى أخذ الإنسان بأسباب النجاح سينجح، وأسباب النصر سينتصر، وأسباب التقدم سيتقدم، وكل ذلك بعلم الله وقدرته.
لا يجوز للإنسان العاقل أن يعيش الهزيمة والفشل، ثم يعلق فشله وهزيمته على القضاء والقدر، جاعلا منهما قيودا في عنقه وأغلالا في يديه.