كتبت أكثر من مرة مذكراً بأن سياسات الدول لا تناقش في الشوارع، وأن قرارتها لا تتخذ في المقاهي، وكنت في ذلك أذكر من تستهويهم الهتافات في الشوارع استعجالاً لإجراء ما، ومن يلوثون أبصارنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي متهمين الدولة وأجهزتها بالتواطؤ في معالجة الكثير من القضايا التي تشغل بال الأردنيين، حتى إذا جاءت اللحظة الحاسمة، وإذا الإجراء المطلوب ينجز على أكمل وجه، وفي اللحظة المناسبة، فنكتشف أنه لا من تواطؤ، ولا من متواطئين، خاصة على مستوى قمة صنع القرار في الدولة الأردنية، التي تقدم بين الحين والآخر دليلاً على أنها تسبق رغبات الجماهير بمسافات طويلة, في تحقيق طلبات هذه الجماهير وأعني هنا جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، الذي لهثت الجماهير للحاق بموقفه في قضية القدس وحماية مقدساتها الإسلامية، مثلما جاء قرار جلالته بإلغاء العمل بملحق الباقوره والغمر سنديانة كرامة يستظلها كل أردني، وهاهو جلالة الملك يقود كتيبة الحسم لكسر ظهر الفساد،وأول ثمارها إحضار أشهر المشتبه بهم بقضايا الفساد، أعني به عوني مطيع، ليحاكم أمام القضاء الأردني، في ممارسة وطنية تتطلب منا أن نتوقف لنراجع الكثير من ممارساتنا اتجاه وطننا والتشكيك به.
وعلى ذكر التشكيك فإنه لابد من القول: أنه لا يفوت المراقب للمشهد الأردني والصورة التي يسعى البعض لرسمها للأردن، أن هناك غرف سوداء كثيرة تعمل على زراعة الشك في نفوس الأردنيين نحو بلدهم وقيادتهم، حتى إن هذه الغرف لم تتردد في أن تسعى لتشكيكنا في وجود مليكنا بين ظهرانينا بعد عودته من إجازته، مثلما حاولت أن تشككنا بهوية عوني مطيع بعد إلقاء القبض عليه وتسليمه ليد العدالة، مما يستوجب منا جميعاً الانتباه والحذر في التعامل مع كل ما يصلنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الوسائل التي تسعى إلى تشككينا بذاتنا الوطنية ودولتنا الراسخة.
وعند الحديث عن دولتنا الراسخة لابد من وقفة طويلة للقول: بأن الدول الراسخة لا تعمل بعقلية استعطاف الجماهير واستجداء التأييد، لكنها تعمل وفق الأدوات التي تؤدي إلى نتائج حقيقية لزرع الطمأنينة في نفوس مواطنيها،من خلال تحقيق مصالح هؤلاء المواطنين،وقد قدم لنا جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الدليل تلو الآخر على أننا أبناء دولة راسخة، استطاعت خلال الأشهر القليلة الماضية أن تحسم الكثير من القضايا الكبرى سواء في قضية القدس وصفقة القرن، أو في قضية الباقورة والغمر، أو في قضية الفساد عبر إحضار الفار من وجه العدالة عوني مطيع، وحسم هذه القضايا التي كانت محل تشكيك بالدولة الأردنية خاصة في فضاءات التواصل الاجتماعي التي تحركها الغرف السوداء، هذا الحسم لم يكن ليأتي بالعمل الغوغائي والسعي لإرضاء الجماهير، على حساب مصالحها الحقيقية التي هي مصالح الوطن، ولكن من خلال العمل الصامت المنظم على القاعدة النبوية "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، كل ذلك للوصول إلى النتائج المرجوة التي تخدم المصلحة الوطنية، بعيداً عن طلب الشهرة الزائفة،وحرصاً على حماية الوطن، وهذا هو فعل القيادات الحكيمة التي ينطبق عليها قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه " ليس كل ما يعرف يقال، وليس كل ما يقال حضر أهله، وليس كل من حضر أهله حان وقته، وليس كل ما حان وقته صح قوله" وهو قول يؤكد أن الدول لا تقاد بالاستجابة للرغبات والثرثرة بل بعمل الإرادات، وبالحسم عندما يحين وقته وهذا هو الذي يُنجي كل مرة دولتنا الأردنية الراسخة بقيادة ملك الحسم. الراي
Bilal.tall@yahoo.com