يستمر الرئيس الامريكي دونالد ترامب في مفاجأته وانعطافاته الحادة في البوصلة السياسية الامريكية في اتجاهات ومسارات تبعث على الحيرة حد الصدمة في التعاطي مع الاحداث والملفات التي تشغل الرأي العام الامريكي والعالمي، بصورة اربكت حسابات المؤسسات السياسية والتشريعية والامنية والعسكرية في بلاده تحديدا على وقع نهجه المغاير تماما لنهج الادارات الامريكية السابقة ، لدرجة ان المتابعين والمراقبين كثيرا ما يجدون صعوبة في فهم مواقفه وتوجهاته حيال القضايا الداخلية والخارجية المختلفة.
كما هو الحال بقراره بسحب القوات الامريكية من سوريا، الذي اشر الى عدم وجود استراتيجية امريكية واضحة في سوريا ، وان الكثير من المرجعيات في دائرة صنع القرار الامريكي قد وصفته بالخطأ الاستراتيجي الفادح ، مما دفع بوزير الدفاع جيمس ماتيس الى تقديم استقالته لاختلافه مع سياسات ترامب ، واحتجاجا على هذا القرار ، الذي ستكون له نتائج سلبية على مصالح الولايات المتحدة وتحالفاتها وحضورها الدولي وقيادتها للمنظومة العالمية ومصداقيتها بين حلفائها وامام المجتمع الدولي ، لدرجة ان بعض اعضاء الكونجرس سيقدمون مشروع قرار يحث الرئيس ترامب على التراجع عن قراره ، الذي رحبت به روسيا ، وعزز من سيطرتها في سوريا ، وقد اعتبرت بانه سوف يعزز من فرص التسوية السياسية وتشكيل اللجنة الدستورية السورية.
لقد فتح قرار الانسحاب باب التكهنات والتحليلات واسعا لسبر غور تداعياته المختلفة والمثيرة للجدل . عندما رهن الرئيس ترامب قراره بانتهاء مهمة قوات بلاده بهزيمتها لتنظيم داعش ، الذي كان السبب في وجودها في سوريا . الامر الذي لم يقنع الساسة والمشرعين والخبراء والمستشارين في الولايات المتحدة وحلفائها ، خاصة بريطانيا وفرنسا والمانيا ، التي تعتبر بان هذا التنظيم لم يهزم ، وان المهمة الامريكية لم تنته، وان هذا القرار غير المدروس قد يبعث الحياة في التنظيمات الارهابية ويعيدها الى الساحة وبقوة بحيث تعمد الى ترتيب صفوفها من جديد . وذلك رغم تراجعها ومقتل الكثير من عناصرها وفقدانها العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرتها.
ومن الاسباب الاخرى التي دفعت ترامب لسحب قوات بلاده ، عدم رغبته بان تلعب الولايات المتحدة دور الشرطي في الشرق الاوسط دون مقابل . متناسيا ان المصالح الاستراتيجية والمنافسة على الزعامة العالمية ، هي التي دفعت بلاده للعب هذا الدور بهدف توسيع مناطق نفوذها . حيث كانت تقدم المساعدات المالية والاقتصادية والعسكرية وغيرها لحلفائها لاحتواء خصومها وتعزيز حضورها في المنطقة . دون ان يغفل البعض في الداخل الامريكي تحديدا ، اسباب اخرى وراء اتخاذ قرار الانسحاب منها ، محاولة الرئيس ترامب صرف انظار الراي العام الامريكي عن الازمات والمشاكل الداخلية التي يعاني منها واثرت سلبيا في شعبيته ، والتي منها التوترات والصدامات والخلافات التي اثارها مع الاجهزة الامنية والاستخباراتية والاعلامية والقضائية على خلفية انقلابه على المنظومة القيمية الأمريكية ممثلا بمواقفه السلبية من الهجرة واللاجئين والاقليات خاصة الاقلية المسلمة ، ومنع مواطني بعض الدول الاسلامية من دخول الولايات المتحدة . اضافة الى تشديد الخناق عليه نتيجة التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص في التدخل الروسي بالانتخابات الامريكية روبرت مولر.
* نائب سابق