"جميع الدول العربية لاحققت نموا اقتصاديا عاليا ولا نموا في الحوكمة…هذا الفصل بين المسار الاقتصادي والمسار السياسي الذي كانت الدول العربية تعتقد أنها باستطاعتها تحقيق المكاسب المالية والاقتصادية بدون المكاسب السياسية أثبت و بشكل كبير أنه عار تماما عن الصحة".
هذا الكلام ليس لي، بل لدولة الدكتور عمر الرزاز في محاضرة له قبل عامين في مؤسسة شومان بعنوان "من رد الفعل إلى الفعل" كان يتكلم فيها عن تداعيات الربيع العربي. الفعل جاء بعد عامين من خلال "خطة" الحكومة للعامين القادمين تتضمن خطوطا عريضة "لدولة القانون و دولة الإنتاج و دولة التكافل".
وفي حين اشتملت الخطة على بعض التفصيلات فيما يتعلق بدولة الإنتاج، وهي مجتزأة وغير موضوعة ضمن إطار اقتصادي عام يشرح لنا كيفية الوصول لبر الأمان، فإنها لم تشتمل لدى الحديث عن دولة القانون حتى عن أي جزئيات، و استخدمت مصطلح الإصلاح السياسي باستحياء، واكتفت بعناوين عريضة على شاكلة "صون الحريات و تطبيق القانون على الجميع و مكافحة الفساد و تعزيز الشفافية والنزاهة و تعميق المواطنة الفاعلة".
كيف للحكومة أن تعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة التي اعترف دولة الرئيس نفسه بفقدانها وهي لم تتطرق إلى خطة سياسية تعطي المواطنين أملا بأن يكون لديهم صوت تمثيلي حقيقي في المرحلة القادمة؟
كيف يكون هناك حديث عن دولة القانون لا يتضمن مراجعة جدية لقوانين الانتخاب والأحزاب السياسية التي تنهي ظاهرة صناديق الاقتراع التي لا تؤدي لديمقراطية كما تحدث عن ذلك دولة الرئيس في ذات المحاضرة؟ كيف نكافح الفساد دون مكافحة الفاسدين؟
كل الدلائل الموضوعية تشير إلى نتيجة واحدة، هي أن الحكومة قررت التخلي الفعلي عن الإصلاح السياسي في هذه المرحلة، و استعاضت عن ذلك بالاكتفاء بالحديث اللفظي عن إصلاحات لا ترقى للمستوى الذي يطمح إليه الأردنيون الذين بنوا تفاؤلهم بحكومة الدكتور الرزاز على أساسه، فجاء التشكيل الحكومي و البيان الوزاري و الأداء الحكومي و خطة العامين المقبلين لتواصل التآكل من رصيد الحكومة لدى تكليف الرئيس، حتى انتهت الحكومة لوضع لا أرضت فيه أصدقاءها و لا حيدت أعداءها.
تبقى أسئلة كثيرة لا تزال تبحث عن أجوبة. هل غير دولة الرئيس من قناعاته السابقة، أم أنه وصل إلى قناعة بعدم قدرته على مواجهة القوى المعادية للإصلاح؟ هل فشل بعض وزراء الحكومة من المؤمنين بالإصلاح السياسي في فرض آرائهم على خطة الحكومة أم أنهم هم الآخرون أصبحوا مقتنعين أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان؟ و أخيرا هل يأمل حقا دولة الرئيس بتحقيق اختراقات تقود لدولة الإنتاج دون التعزيز الحقيقي لسيادة القانون و تقوية السلطة التشريعية ووقف إعاقة بعض أذرع السلطة التنفيذية لأي تطور جاد في الحياة السياسية والحزبية ؟ هل تقنع أي خطة الناس دون مؤشرات لقياس الأداء في المجال السياسي، و دون التخلص من الثقافة الريعية التي يؤمن بها بعض وزراء الحكومة أنفسها؟
نغمة الحكومة اليوم لا تختلف كثيرا عن سابقاتها إلا لفظيا. الوقت ليس مؤاتيا، و الإصلاح الاقتصادي اولوية على الاصلاح السياسي، و الواقعية سيدة الموقف، و دعونا من التمنيات.
أكتب هذا الكلام بمزيج من الأسى و الإحباط. فإن كانت الحكومة جادة في معالجة إحباط الفئات التي تكلم عنها دولة الرئيس، فالطريق إلى ذلك واضح. ما لم يعد واضحا لدى هذه الحكومة هي الإرادة السياسية.
الغد