بقلم: نور الدويري
كفلت دساتير الدول الحرة والاتفاقيات العالمية، وغفير يزيد ولا ينقص، ضرورة إيتاء حرية الرأي حقه، فجاءت المادة 19 في أجندة حقوق الإنسان الصادرة في عام 1948م والتي تنص على: "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود ".
كما ان القانون الاردني كفل حرية الرأي في المادة ١٥ من الدستور . فلماذا نشهد اليوم تقييداً على حريات الرأي بفرض تعديلات على قانون الجرائم الالكترونية ؟! وهل هو باذخ العقاب على (طير شلوى)؟ تلك الصفة السرمدية التي تطلق على الأحرار عموماً فهل تقرر كبحُ شجاعتها بإبداء رأيها ؟
أُصيب مرتع طير الشلوى في قلوب فرسان الكلمة الحرة بخيبة طعنت شجاعتهم في صميم مواجهتهم لأصول تداول الخبر ونقله وما يدنو منه اتصالاً.
ألا يعد الحق في الحصول على المعلومة أو نقلها أو مشاركتها أو الاضافة عليها أو تعديلها، أو حتى حذفها، أحد الحقوق التي لايمكن إنكارها بالمطلق ؟ فمن المسؤول؟ ولماذا اليوم تحديداً بعُثت الروح لتعديل القانون؟ وبماذا جاء مُحملاً ؟
بمعية الحزن على قمع شجاعة طير الشلوى فينا، وإطلاق العنان لثورةِ التكنولوجية والتي اقتحمت فضاء شلوانا، لتشكل الكلمة الحرة ضجيجاً فخماً ينتشر في ارجاء المعمورة؛ فلا يبقى حكراً على مجموعات وحراكات محدودة، لاختراق مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة المعلوماتيه عالمنا والتي منحت للصحافة حرية التواصل أسرع مع صناع القرار و الجمهور، ومنحت دوراً نخبوياً للشعب بكل أطياف شلواه الحرة، ليمثل نفسه دون مجلس أو حزب أو كتلة أو مجموعه ، وفيما إيقاع طبلة الحرب يضرب كل دقة قلب حرة بتعديل ربما جاء يستغيب الحرية ويطعن مفهموها العام ابتداء بمصطلحات تضيف مزيداً من الغبن حول حرية الرأي. والمثير للجدل أن تعديل اللجنة القانونية جاء صارما ليزيد على مقترح وزارة العدل وينتج تعديلات اضافيه مثل: اعادة تعريف خطاب الكراهية والذي جاء في مسودة وزارة العدل كما يلي: ( كل قول او فعل من شأنه اثارة الفتنه او النعرات الدينية او الطائفية او العرقية او الاقليمية او التمييز بين الافراد والجماعات) وهو نص مقبول انسانياً الى حد كبير، لكن اللجنة القانونية أضافت عليه ملحاً اثقل حجما استساغته (باضافة بدل الاقليمية او الدعوة للعنف او التحريض عليه او تبريره او نشر الاشاعات بحق اي شخص من شأنها الحاق الضرر بجسده او بماله او بسمعته ) !!
فإن كان التماسهم لعذر شمولي في هذا التعريف نراه منصفاً كافلاً لحقوق الناس بعدم التعرض لما قد يسيء اليهم يعد نصاً محكماً ، لكننا إن حللناه نرى اأنه يشمل المفاهيم المضافة حد المطلق، وهذا من شأنه أن يخلق حالة من الصدام في كل شيء إن تم إقراره. بمعنى :إن كتبت على صفحتي أن كنافة المحل الفلاني غير ظريفه! فيمكن لصاحب المحل محاكمتي تحت ذريعة نشر الاشاعات أو التحريض أو الحاق الضرر في السمعة. فكيف سأكفل حريتي الفردية بالتعبير اذن وقد أُغرم بسقفٍ ثقيل الحمل والتحمل ؟!
أعتقد أن على اللجنة القانونية اليوم، أن يعيدوا تعريف خطاب الكراهية وتحدد مصطلحات المفاهيم المضافة بحنكة لتقنعنا بهذا القانون ،أو أن يلتمسوا مقصداً تُكفل فيه الحريات الشخصية بإبداء الرأي وإضافة شرح وافً للمصطلحات المتعلقة بمفهوم خطاب الكراهية ،مثل أن يتم تعريف (التحريض) أنه: هو كل قول او فعل أساء بمقصده الى إفتعال عنف فكري أو جسدي أو مادي أو معنوي بقصد الإيذاء، ينظر إليه حسب نوع الحالة والجناة والتعريف. أو أن على مجلس النواب أن يقدم على هذه الخطوة ليعيد تنظيم غضب الشارع العام ويؤلف قلوب كُتاب الكلمة الحرة، أو موجهين البوصلة على بعض ما يجب أن يدرك في سبيل استيفاء حقوق الوطن والمواطن.
وأن يجد المعنيون تعريفات لمصطلح: (أو تبريره)، مثل أن يقصد به كل قول أو فعل يبرر عملاً أُدين بقصد الإيذاء بأحد أشكاله المعلومة، وخلافه من المصطلحات المضافة، وذلك ليس عتقاً من الملامة ،إنما توضيحاً لما قصد منه بخطاب الكراهية ليسهل التعامل معه ومعرفته.
كما أن اللجنة أوردت بتعديل القانون مصطلح: ( ذوي النية الحسنه) فمن هم؟ وما هي شروطهم؟
أذن نحن بحاجة إلى تعريف واف بمصطلحات تُصحح مفهوم خطاب الكراهية كون التعديل المنصوص يضرب حقوق الرأي عُرض الحائط، وبالطبع أن غالبية مُستغليه سيكونون من الصحفيين والسياسيين وأصحاب المناصب، حيث سيستغل كل طرف ذريعة القانون بتعريفاته المطلقه لتحقيق الذل وتطبيق القانون على الطرف الثاني بكل ماأوتي من قوة .وهذا من شأنه زيادة الضرر في الشارع العام كونه يخلق حالة ذعر في وصف المشاعر وانقسام الاراء.
كما أن على المعنيين أن يستصدروا ملحقاً أو تعديلاً اضافياً يؤكدون فيه أن خطاب الكراهية والقانون بشكله العام يضبط كل فئات المجتمع، فتسقط تماماً الحصانة عن .. في أي محفل أو وضع يكفل لهم هذه الحصانة، للتمكن من ملاحقتهم قضائياً إن ثُبت الأذى أو موضع الشكوى في هذا الخصوص ،وهذا بالطبع لا يعد تهكماً بالمطلق على أصحاب المناصب التي يجب أن تُحترم أولاً في شخوصها بصفاتها العامة ،بما تقدمة من خدمات للوطن والمواطن وإن احتدَ الخلاف في هذا الشأن وفقاً لكل زاوية يُعرضُ فيه ذلك الشخص. لكن كفالة هذا القانون يجب أن تضمن تساوي الحقوق والواجبات فكلنا سواسية تحت مظلة القانون.
تغليظ العقوبات ردع أم قمع ؟!
أعتقد أن تغليظ العقوبات في حال ثبوت الإساءة إن تم اضافة صياغة واضحه لمفاهيم المصطلحات، يعد أمراً جيداً لبعض المواد، لكن ما يثير التساؤل- بحق- هو حذف ما ورد في القانون سابقاً:" ألا تزيد الغرامة عن كذا".مما يعني فتح الباب لسقف أعلى، مما يشكل تكميماً واضحاً للأفواه واستغلالاً للمواقف !!
عاودت قراءة القانون مراراً وتكراراً لأجد أن إفشاء البيانات قُورنت بالحذف والاضافة، أي أن كل من يحاول نشر معلومة بقصد أو بغير قصد سيلقى نفس عقاب الحاذف والمضيف للبيانات، فهل هذه صورة شفافة لكفالة حق الرأي؟!
من ناحية مشرقه، كفل التعديل ردعاً حاداً للناشر وللمتداول ولمنشئ المواد والمواقع الإباحيه بتعديل الصفة للمتضررين او المشتكين ممن لم يتموا الثامنة عشرة، وفاقدي الأهلية العقلية او النفسية الى المجني عليه، كما ورد في تعديل وزارة العدل، فيما أبقت عليه اللجنة القانونية كما هو مع الإكتفاء بالإشارة الى أن تجري الملاحقة القانونية للمشتكى عليهم ويسقط الحق العام في حال صفح المجني عليه،
فيما تغلظ العقوبة الى 15000 الف دينار فقط! فلماذا لم تترك هذه المواد أيضا بسقف مفتوح كما ورد في مواد الراي العام واستغلال الشبكة المعلوماتية، لتشكل رادعاً أقوى ولتثبت تماسك المجتمع !
اخيراً فأن القانون المعدل جاء ليعرض عقوبة على من تسول له نفسه إنشاء او ترويج او إدارة موقع بقصد الترويج للأسلحة النارية والذخائر والمتفجرات. وهذه الإضافة تحسب للجنة القانونية بموقف ايجابي وبحيادية، فنحن لازلنا بحاجة إلى تنقيب وشرح مستفيض في خطاب الكراهية، لتحقيق العدالة المجتمعية، وحتى لا يُقهر طير الشلوى في وطني ، ويسهل التفريق بين من أشار إلى حجم القمر ومن أشار للأصبع الذي شاور للقمر .