مدار الساعة - حاوره: د. محمد أبو بكر (الغد) - حينما نغوص بذاكرة الوطن، علينا أن نتسلح بكل أدوات الغوص، وبكل ما هو متاح لنحفر في صخر الأحداث، ونتجول بين صفحات كتب التاريخ، ونسبر غور شخصيات كان لها الأثر الواضح والتأثير الجلي بمسيرة وطن واجه الكثير من الظروف والتقلبات على مدى عقود عديدة مضت.
في ذاكرة الوطن الكثير مما يمكن قوله، والحديث حوله، من السياسي إلى الاقتصادي، ولا بأس من الثقافي وكذلك الاجتماعي، فالترابط بينها لا انفصام له، وتاريخ الأردن الحديث حافل بالأحداث التي ربما باتت في غياهب النسيان، لدى البعض، ولكنها أحداث لا تموت ولا تفنى، ولا بد من العودة إليها، لأن في الإعادة مزيدا من الإفادة واستخلاص العبر والدروس، وجدير بنا الوقوف على ذلك لندرك أن هذا الوطن ما كان يوما إلا مع أمته في كل الظروف، وخاصة الحالكة منها.
محطات من الذاكرة السياسية الأردنية.. نغوص في ذاكرة شخصيات سياسية ونستعرض أحداثا وكواليس، ونعمل على استكشاف ما كان مستورا خلف حجاب، هو تاريخنا الذي صنعناه بأيدينا، وربما شاركت الظروف في صنعه أيضا، ونحن في الأردن لا يمكن لنا أن نكون خارج التاريخ، أو متفرجين فقط، فكم من الرجال في هذا الوطن صنعوا تاريخا وأمجادا، وباتوا منارات مضيئة في عالم يتسع عاما بعد آخر.
قد تحتاج لساعات طويلة من الحوار مع المهندس عبد الهادي المجالي رئيس مجلس النواب الأسبق، والعسكري العريق والحزبي الذي لم يتعب رغم تضاريس الزمن التي رسمت على ملامحه، فما زال مصرا على المضي قدما في هذا الطريق الشائك رغم ما واجهه (أبو سهل ) من عقبات وصعوبات طيلة سنوات عديدة من هذا العمل الذي أعتقد بأنه أضناه.
قيل الكثير بحق الرجل؛ إيجابا وسلبا، وعندما يتحول لشخصية عامة، فهو هنا عرضة لكل سؤال وتساؤل، وسيكون حتما بمواجهة سهام النقد دون تجريح أو إساءة.
* كنت من أوائل المهندسين بالجيش العربي، كيف كان دخولك، هل كانت رغبة منك، أم أن مجالات العمل كانت محدودة ذلك الوقت؟
- تخرجت من الجامعة وكنت من أوائل الذين نالوا شهادة بالهندسة. عملت فورا بوزارة الأشغال، وتسلمت مهام مدير أشغال معان، نظرا لعدم وجود مهندسين ذلك الوقت، وكان بالمنطقة وحدة عسكرية (لواء)، وكنا نقوم أحيانا بمساعدتهم ببعض الأمور، ودعاني وقتها رئيس الأركان صادق الشرع لتناول طعام العشاء، وفوجئت به يقدم عرضا لي لدخول القوات المسلحة، ترددت بقبول ذلك، وأمام إلحاحه اشترطت رتبة نقيب، فاستغرب الشرع ذلك، وأخيرا وافق، وهكذا انتسبت للجيش العربي.
كان ذلك العام 1958، وبعد نحو عشر سنوات وصلت لمنصب قائد سلاح الهندسة الملكي في آب (اغسطس) 1967 وكنت أحمل رتبة عقيد.
*عندما نقول .. سلاح الهندسة، فهذا بالتأكيد قريب من دراستك، كيف وجدت نفسك بهذا الموقع ؟
-أحببت العسكرية كعلم، والأصل بالمهندس هو الإبداع، وكنت أطالب دائما بضرورة وجود دورات تأهيلية، حتى أنني كنت أرغب بالمشاركة بمثل هذه الدورات، وأهمها كانت بإرسالي لكلية القيادة والأركان في الولايات المتحدة العام 1971، ثم عدت بعدها لسلاح الهندسة أوائل 1973، بعد ذلك كنت أول عربي يشارك بدورة لكلية الدراسات الدفاعية ببريطانيا، والملك حسين، رحمه الله، هو الذي أمر بإرسالي إليها وتخرجت منها نهاية 1973.