بات من الملفت في السنوات الاخيرة، ذاك الاهتمام الشعبي الاردني بذكرى الشهيد البطل وصفي التل ، الذي كلما حلت ذكرى استشهاده حفلت الاجواء الاردنية بالحنين والشوق والترحم على ايام حكومة هذه القامة الوطنية والرمز الوطني، الذي كرس نهجا حكوميا وطنيا في المشهد الوطني، جسد مقياسا ومعيارا ومرجعية وطنية للحكم على اداء الحكومات الاردنية المتعاقبة وتقييمه ، وذلك على وقع الاخفاق الذي وسم اداء العديد من هذه الحكومات في الاونة الاخيرة ، بطريقة قادت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الى مزيد من التعقيد والتأزيم . وبدا ان استحضار هذه الذكرى المعطرة بالانجازات والنجاحات والمواقف الوطنية المشرفة التي سطرها الشهيد البطل عبر مسيرته الوظيفية العامة ، هو من باب تذكير الحكومات الاردنية بنهج وصفي التل القائم على التعاطي المسؤول مع المنصب العام بروح من الارادة والعزيمة والمثابرة التي تستهدف تحقيق المصلحة الوطنية ، استنادا الى محفزات ذاتية اساسها الوفاء والاخلاص والتفاني في الاداء ، بعيدا عن المحسوبية والشللية والمصالح الخاصة ، لضمان اقامة اقتصاد وطني حر ، اساسه الاعتماد على الذات من خلال توظيف موارد الدولة وامكاناتها المتعددة والمتنوعة واستغلالها ، معبرا عن ذلك بالالتصاق بالارض وزراعتها ، والاستثمار بالانسان الاردني تعليما ومهارة وابداعا ، تجسيدا لمعنى الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات بصورة وطنية حقيقية ، لا كما تعاطت معه بعض الحكومات الاردنية المتعاقبة ، التي رهنت اقتصادنا للمؤسسات المالية الاجنبية ، واقحمتها في شؤوننا الداخلية . اضافة الى اتباعها اسلوب الجباية والاعتماد على جيب المواطن عبر رفع الاسعار والضرائب والرسوم والدعم ، بطريقة اثقلت كاهل المواطن الاردني بالمزيد من الاعباء المعيشية ، وجعلته يفقد ثقته بمؤسسات الدولة . وبدا اننا في الاردن نفتقد الى البوصلة الوطنية الكفيلة بايجاد قيادات حكومية من عيار وصفي التل ووزنه وتاريخه وصفاته الشخصية القيادية ، تكون قادرة على تكريس نهج وصفي التل الحكومي في سياساتها الاقتصادية والتنموية.
ولأننا في هذه الايام نعاني اوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة ، اساسها تراجع الاداء الحكومي ، فقد اصبحنا نستذكر ذكرى وصفي التل من باب الترحم عليه والحنين الى حقبته الحكومية ، التي جسدت هوية انجازية تنموية واقتصادية وطنية ، يمكن ان نعول عليها في استنهاض الهمم وحفز الطاقات والقدرات البشرية والمادية لمواجهة الظروف والتحديات التي تواجه مجتمعنا . فكل يوم تشتد حدة العتب على مرحلة الطفولة التي حرمتنا فرصة التعايش والادراك للنهج الوطني الذي اختطه وصفي التل - رحمه الله - بحيث يتسنى لنا المتابعة والمشاهدة عن قرب تلك اللحظات التاريخية المفصلية ، التي كانت تشهد تسجيل المواقف الوطنية والقومية المشرفة ، التي كان يسطرها ويسجلها فارسنا وبطلنا الخالد ، الذي جسد بفكره وعطائه وشجاعته وتواضعه وحسه الوطني ابهى صور الولاء والوفاء والتضحية ، وهو يحمل رسالة الوطن بقلبه وعقله ووجدانه ، فاذا به مدرسة وطنية ذات رسالة قيمية وتربوية ، اتخذت من الوان العلم شعارها ومن اناشيد الوطن منهاجها ، حتى اصبحت منارة وطنية مقدسة، تعلم الاجيال المواطنة والولاء والانتماء لثرى الوطن الغالي.
وها نحن اليوم يا سيدي .. نعتذر عن نظرات العتاب التي كنا نرسلها لك ، تحت تأثير اجواء مرحلة الطفولة البريئة ، كلما حللت ضيفا على بيوتنا عبر شاشة التلفزيون الاردني ، تناقش وتحاور وتبحث مع ابناء الوطن من فلاحين ومزارعين وموظفين ومعنيين وغيرهم ، الملفات والقضايا الوطنية ، ترسم وتخطط لنا المستقبل ، تسهر وتتابع وتتعب من اجل توفير متطلباتنا الاقتصادية والمعيشية .. بينما نحن نلهو ونلعب ، حتى اذا ما اقدم الليل اخذنا مواقعنا امام شاشة التلفزيون بانتظار مسلسل الثامنة والنصف اليومي ، الذي كنت كثيرا ما تحرمنا من متابعته بسبب ظهورك المتكرر على الشاشة ولساعات متأخرة من الليل ، تغطية لعملك ونشاطك الميداني الذي شمل كافة مناطق المملكة .. تتواصل وتتابع وتستمع عن قرب ومن الناس مباشرة لمطالبهم واحتياجاتهم واولوياتهم .. بينما نحن نعد الدقائق والساعات على امل انتهاء هذه التغطية الطويلة ، ليتسنى لنا متابعة هوايتنا في مشاهدة المسلسل التلفزيوني اليومي .. وكثيرا ما كنا نعتب عليك سيدي بسبب طول فترة تغطية اخبار نشاطاتك الميدانية اليومية.. فها نحن نعتذر منك اليوم .. وننحني احتراما واكبارا وتقديرا لمواقفك الوطنية المشرفة ، وقد جسدت مفهوم الشخصية القيادية العملية والميدانية بكل صفاتها ومتطلباتها ، فكنت الملتصق بالمواطن والعارف باحتياجاته ، تتحسس همومه ومطالبه .. حتى انه يستطيع ان يهمس باذنك لو اراد ..
املين قبول اعتذارنا .. وانت الساكن فينا ذكرى وسيرة ومسيرة وطنية خالدة ما حيينا. الدستور