الروابدة: ركب موجة الشكوى المحقة بعض من كانوا سببا في الهم الوطني . صاروا دعاة للديمقراطية والمواطنة التي أثخنوها جراحا وهم سدنة حكومات الواقع والظل
يلقون فشلهم على قوى موهومة ويطلقون الاتهامات في كل اتجاه . حرس قديم وقوى شد عكسي ثم أضافوا قوى الوضع القائم صدقوا في العناوين وأخطأوا في المضامين
حراس الأوطان ثوابت لا تتغير عند كل صدام ولكنها تطعم دائما بالقوى الناشئة
الأجيال لا تتزايح ولكنها تتمازج
الظروف صعبة والتطورات متسارعة والأخطار داهمة والأوضاع مقلقة
الأردن بقيادة مليكه ينفرد بالتصدي الفعلي للدفاع عن الحق الفلسطيني كقضية أردنية . الضغوط عليه عاتيه ومن كل الاتجاهات والأطراف
الوقوف مع الاردن لا يتجاوز بلة ريق عوضا عن ارواء ظمأ
صفقة القرن . تثور حولها الزوابع لاخفاء معالمها . تجد سبيلها للتنفيذ بالتدريج خطوة خطوة . مآلها تصفية القضية المركزية
النظام العربي يترنح كل منشغل بحماية ذاته ومواجهة قضاياه الداخلية
مدار الساعة - توقف رئيس الوزراء الأسبق والسياسي المخضرم عبدالرؤوف الروابدة عند "الحواف" التي تعددت منذ نشوء الدولة الأردنية، واصفاً كل "حافة" منها.
وابتدأ الروابدة محاضرته في جمعية الشؤون الدولية اليوم الثلاثاء بقوله "قبل نصف قرن ونيف ألف السير تشارلزجونستون سفير بريطانيا الأسبق في المملكة الأردنية الهاشمية كتابا عنوانه "الأردن على الحافة ". أستميحكم عذرا باستعارة العنوان للتأشير على الأخطار التي تعرض لها الأردن ومازال يتعرض. ليس لي من هدف الا التنبيه حتى نستطيع فهم الماضي وتحديد الحاضر وصياغة المستقبل الواعد . لقد تعددت الحواف منذ نشوء الدولة ، وكانت تحديات جسيمة تجاوزناها بحكمة بعد طول معاناة . لكن الأخطار مازالت تتوالى وتتوالد ، الأمر الذي يقتضي التنبيه والتحذير لاجادة التصدي".
وأضاف "كان قدر الاردن أن يكون أحد التواءم الأربعة التي ولدتها اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة. وكانت الحافة الاولى أن يكون الاردن التوأم الوحيد الذي حمل اتهام السايكس بيكو بينما نجا أشقاؤه الثلاث من ذلك الاتهام سوريا ورثت اسم المنطقة ، كما ورثت كيان ولاية الشام الذي صار كيان الدولة الجديدة بمكوناته الجاهزة . لبنان كان له شبه كيان في العهد العثماني تطور ليصبح كيان الدولة الجديدة .فلسطين خضعت للحكم البريطاني المباشر الذي صنع كيانها على مقاسه خدمة لأهدافه .أما الدولة الاردنية " حكومة الشرق العربي حينئذ فقد تشكلت من أربعة أجزاء لم يكن لأي منها مكونات الدولة . كان الشمال جزء من لواء حوران وعاصمته درعا التي بقيت مع الدولة السورية الناشئة . وكان الوسط جزءا من لواء البلقاء وعاصمته نابلس التي بقيت مع دولة فلسطين. أما الكرك فقد كان لواء محدود الامكانيات . وكانت معان والعقبة جزءا من ولاية الحجاز".
وقال في محاضرته التي تابعتها مدار الساعة "يجاور الاردن فلسطين القضية : الأرض المستهدفة صهيونيا ، والأردن مستهدف مثلها ومعها . كان علاقة الأردن بفلسطين متميزة بخصوصيتها . تعاون في ذلك التاريخ مع الجغرافيا ، والمصالح مع الديموغرافيا . اندمج الأردن بالقضية منذ بداياتها ، كان الأبرز في ساحات النضال وميادين الحرب. حافظ على جزء عزيز من الارض ، بينما لم يحافظ غيره على ما كان تحت سلطته منها".
طمس دوره وأنكرت جهوده. تحمل آثار النكبة الأولى، وكان وقعها عليه فوق قدراته. صبر واحتسب لأنه صاحب القضية ، والشريك فيها على الشيوع .
وتقوم بين ضفتي النهر الخالد الوحدة الأنقى في القرن العشرين . وحدة أخوة وأهل . يقرها برلمان منتخب بالمناصفة . وحدة عضوية تندماجية فاعلة تميزت فيها المواطنة بأجلى معانيها . وحدة عارضها البعض ولم تعترف بها الدول العربية . وحدة شوهها الديموقراطيون فوصوفوها بأنها " ضم " وعيرها الوحدويون بأنها " هيمنة " . تآمرت عليها دول وتنظيمات عربية وحدوية . هنا وجد الأردن نفسه يقف على الحافة الخامسة يتلقى فوق الغمز واللمز والتشويه والاتهام مؤمرات وتآمرات تبدأ ولا تنتهي.
يصبح الأردن عند البعض الهدف البديل المباشر . تقوم على أرضه هيئات تنظر لهوية وطنية أخرى . تهتز الهوية العربية التي تربى عليها كل الأردنيين . تبدأ عندئذ ارهاصات الهوية الوطنية الموؤدة ، وتوصم وحدها بالاقليمية . هل يقبل المجتمع الأردني أو يقدر أن يكون اقليميا ؟ مجتمع تأسس على فكر عروبي بهدف عربي وقيادة عربية . مجتمع تتمثل فيه كل أرض عربية ، فانفرد بتمثيل التعددية العربية . كيف يكون اقليميا ما زالت معظم قياداته من أحفاد أولئك العرب الذين فاءوا اليه ، وهو بهم يعتز ويفخر ؟ أليس زرع الفكر الاقليمي والممارسة الاقليمية خطرا على الاردن وفلسطين معا ؟
تستقوي الناصرية في خمسينات القرن الماضي . وترى فيها الشعوب الأمل المنشود . تنفرد القوى القومية بالساحة . تجري في الاردن انتخابات تفوز بها خمسة أحزاب : أربعة مؤدلجة والخامس حزب وجاهات وطنية عروبية التوجه شريفة الهدف . تتشكل حكومة يستفرد بها حزب الوجاهات وتضم وزيرا من كل من حزبين مؤدلجين فقط . هنا تفرض الحافة الثامنة نفسها . يبدأ صراع محموم واستقواء يدعمه قوى طامعة ، ويكون رافده الرئيسي عسكر طموح تنتهي تجربة أردناها متميزة . يتم تبادل الاتهامات وتتوه الحقيقة . يتعاظم الصراع المدعوم ، ويضعف تراص المجتمع ويتراجع التوجه الوحدوي . يتم اللجوء الى حليف خارجي للنجاة بعد ضربات عدة تحت الحزام .
هل هي الحافة العاشرة ؟ انها أكثر من ذلك . عممت شبهة الفساد وعمت. تشكك الشعب بالمستقبل. تراجعت الثقة بالمؤسسات. فضعفت قدرة المواطن على التحمل . تراجع الهم السياسي لصالح هم المعيشة . ارتفعت موجة الشكوى وزادت حدة الانتقاد . تعددت مظاهر الغضب. استغل الوضع فركب موجة الشكوى المحقة بعض من كانوا سببا في الهم الوطني . صاروا دعاة للديمقراطية والمواطنة التي أثخنوها جراحا وهم سدنة حكومات الواقع والظل. يدعون جهودا وهمية ويجأرون بالشكوى من أي نقد لهم . يلقون فشلهم على قوى موهومة ويطلقون الاتهامات في كل اتجاه . حرس قديم وقوى شد عكسي ثم أضافوا قوى الوضع القائم صدقوا في العناوين وأخطأوا في المضامين . حراس الأوطان ثوابت لا تتغير عند كل صدام ولكنها تطعم دائما بالقوى الناشئة . الأجيال لا تتزايح ولكنها تتمازج لتجمع الخبرة مع العزيمة. سلاحها جاهز ولا ينتقل من كتف لآخر ، ولا يستزلم لقوى طامعة ولا يستوحي الهمة الا من الوطن ، كل الوطن. أما الشد العكسي فهو واجب في حالة واحدة، عندما يكون الشد الأمامي نحو التسيب والانفلات والتهور.
الاخوة والأخوات ،،
تلوح في الأفق حافة جديدة ، عصية على الترقيم . يقال أنها صفقة القرن . تثور حولها الزوابع لاخفاء معالمها . تجد سبيلها للتنفيذ بالتدريج خطوة خطوة . مآلها تصفية القضية المركزية . والنظام العربي يترنح كل منشغل بحماية ذاته ومواجهة قضاياه الداخلية . لم يبق في الساحة للتصدي للصفقة سوى الأردن وسوى أهل فلسطين الصامدين ببطولة على أرض وطنهم . هما مصدر الرفض الجدي والتعبيرعن ذلك الرفض . وهما من ستيحملون مسؤولية ذلك الرفض . الأردن بقيادة مليكه ينفرد بالتصدي الفعلي للدفاع عن الحق الفلسطيني كقضية أردنية . الضغوط عليه عاتيه ومن كل الاتجاهات والأطراف . لم يستسلم رغم الواقع الاقتصادي الصعب بل المنهك حتى يخال المرء أن الوصول لذلك الواقع كان مخططا له منذ زمن . والوقوف مع الاردن لا يتجاوز بلة ريق عوضا عن ارواء ظمأ.
وفجأة يعود الحديث عن صيغة وحدوية مبهمة تستغل توق الاردنيين والفلسطينين للوحدة .وحدة يريدونها بقرارهم الطوعي المتفق عليه . وقد استقر رأيهما أن شرطها الأساسي قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على أرضها وشعبها وعاصمتها القدس الشرقية . ترفض اسرائيل قيام الدولة وتدعمها امريكا في هذا الموقف وغيره . ويؤيد ذلك الرئيس الأمريكي منذ انتخابه قبل عامين ويبدأ تنفيذ بنود صفقته . وفجأة يعلن قبول قيام الدولة . ويتصدى نتنياهو لتوصيفها بأنها أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي . هل هذا هو تذويب الشرط الأردني الفلسطيني للكونفدرالية ؟ هل هذه بداية التصفية على حساب الأردن؟
الاخوة والأخوات ،،