أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

كيف أقنع رجلٌ واحد 900 شخص بالإقدام على الانتحار الجماعي؟

مدار الساعة,أخبار خفيفة ومنوعة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - منذ نحو أربعة عقود، كان القس الأميركي جيم جونز قائداً جذَّاباً مؤثراً يقود طائفة أميركية في أدغال غيانا، وأسس مذهب معبد الشعوب وأمر أتباعه بقتل عضوٍ في الكونغرس الأميركي، ثم الانتحار جماعياً بشُربِ عصير فواكه ممزوجٍ بمادة السيانيد السامَّة.

وحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فقد كانت هذه الواقعة التي أُطلِق عليها مذبحة جونز تاون هي أكبر حادثة وفاة مدنيين متعمَّدة في التاريخ الأميركي قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. إذ مات فيها أكثر من 900 شخص، من بينهم العديد من الأطفال.

وشكَّلت كذلك صدمةً ثقافيةً مُدمِّرة؛ إذ شهدت نهاية آخر بقايا نوعٍ معيَّن من مثالية الستينيات وتطرُّف السبعينيات في القرن الماضي. وما زال إرث جونز تاون حيَّاً في العبارة الساخرة drink the Kool-Aid، التي تنصح بعدم الثقة العمياء (لم يكن ما شربوه مشروب Kool-aid، لكن مشروب Flavor aid المنافس).

واكتسب خبرةً منذ صغره في الوعظ العام، وكان مؤيداً متحمساً للمساواة العرقية، مع أنَّ ذلك كان شيئاً غير معتادٍ آنذاك في ذلك المكان.

جَذَبَ مزيج جونز الغريب من المسيحية الإنجيلية وروحانية العصر الجديد والعدالة الاجتماعية المتطرفة أتباعاً متحمسين. وقد أطلق جونز على كنيسته الناشئة اسم «معبد الشعوب».

ومع أنَّ أتباع القس الأميركي جيم جونز صُوِّروا في وقتٍ لاحق على أنَّهم أشرارٌ ومُغفَّلون، فإنَّ الصحافي تيم ريترمان يقول في كتابه الذي يناقش هذا الموضوع بعُمقٍ إنَّ الكثيرين منهم كانوا «أناساً محترمين مجتهدين في عملهم ذوي وعيٍ اجتماعي، وبعضهم مثقفٌ جداً»، مضيفاً أنَّهم «أرادوا مساعدة إخوتهم البشر وخدمة الرب، وليس عبادة شخصٍ نصَّب نفسه إلهاً على الأرض».

كان مذهب معبد الشعوب يؤيد الاشتراكية والعيش الاجتماعي، وكان يطبق الاندماج العرقي إلى درجةٍ لم تُضاهَ منذ ذلك الحين.

وادَّعى كذلك أنَّ هدفه الدائم هو الشيوعية، وفي تحريفٍ بسيط لمقولة أنَّ الدين هو «أفيون الشعوب»، كان الدين مجرَّد وسيلةً له لجعل الماركسية أكثر قبولاً.

وبحلول السبعينيات من القرن العشرين، اكتسبت طائفة معبد الشعوب -تتخذ الآن من سان فرانسيسكو مقراً لها- نفوذاً سياسياً كبيراً. إذ أدَّى دفاع القس الأميركي جيم جونز الشرس عن المضطهدين إلى إعجاب بعض الرموز اليسارية مثل أنجيلا ديفيس وهارفي ميلك به، وأكسبه دعم جماعاتٍ مثل «الفهود السود»، وقد كان ذلك تقارباً سياسياً مُضلِّلاً للغاية، نظراً إلى أنَّ أكثر من ثلثي ضحايا مذبحة جونز تاون كانوا أميركيين من أصولٍ إفريقية.

ووفقاً لما ذكره الصحافي الأميركي ديفيد تالبوت في موقع Salon الأميركي، فإنَّ أحد أسباب نجاح مذهب معبد الشعوب هو أنَّه كان مفيداً على الصعيد السياسي، إذ قال تالبوت: «كان يمكن الاعتماد على جونز لإيصال حافلاتٍ مليئة بأتباعٍ مطيعين ومهندمين إلى مظاهراتٍ وحملاتٍ انتخابية ومناطق سياسية».

ومع ذلك، كانت هناك علاماتٌ بالفعل على وجود تيارٍ شرير كامن في مذهب معبد الشعوب. إذ كان يُطلَب من أتباع المذهب تكريس أنفسهم تماماً لمشروع الكنيسة الطوباوي، فكانوا يُسلِّمون ثرواتهم الشخصية، ويعملون ساعاتٍ طويلة بلا أجر لحساب الكنيسة، وكثيراً ما كانوا يقطعون الاتصال بعائلاتهم.

وكان يُطلَب منهم كذلك تربية أطفالهم داخل صفوف أتباع المذهب. وبحجَّة إظهار الالتزام، كان يُطلَب منهم التوقيع على شهاداتٍ زائفة بأنَّهم تحرَّشوا بأطفالهم، وقد احتفظت بها الكنيسة لابتزازهم عند الحاجة.

وقال الروائي الإسباني شيفا نيبول، الشقيق الأصغر لفيديادر سوراجبراساد نيبول، في دراسته التي أجراها في عام 1980 عن جونز تاون إنَّ مذهب معبد الشعوب كان في جوهره مشروعاً دينياً أصولياً «مهووساً بالخطيئة وصور الدمار المشؤوم والاستبدادية في دوافعه الداخلية، ويُفكِّر غريزياً بمنطق المُبشَّر بالنعيم والمُنذَر بالهلاك».

وكما كتب نيبول، فالنتيجة «لم تكن عدالةً عرقية ولا اشتراكية، بل محاكاة مسيحانية ساخرة لكليهما».

وعندما نُشرت مقالةٌ تزعم حدوث إساءة في كنيسة معبد الشعوب، اضطر جونز إلى الانتقال، فاختار غيانا، وهي مستعمرة بريطانية سابقة في أميركا الجنوبية كان نظامها الاشتراكي متعاطفاً مع كنيسة جونز على المستوى السياسي.

وفي عام 1977، نقلت كنيسة معبد الشعوب مقرها إلى منطقة نائية في أدغال غيانا. وقال جونز إنَّهم قادرون هنا على بناء مجتمع طوباوي دون تدخُّل حكومي أو إعلامي.

وفي مواجهة مناخٍ استوائي شاق وموارد محدودة، بدأ سكان جونز تاون في تحويل الغابة الكثيفة إلى مجتمعٍ زراعي عامل، سُرعان ما عُرِف باسم «جونز تاون».

وكانت الكنيسة تنقل خواطر جونز الفردية الخرفاء إلى أفراد جونز تاون بمُكبِّر صوتٍ في أثناء عملهم. وفي المساء، كانوا يحضرون دروس تبشير إلزامية. وكانت أوامر جونز تُنفَّذ على يد حُرَّاس مُسلَّحين يحملون اسم Red Brigade أو «اللواء الأحمر».

لم يكن هناك سببٌ يدفع جونز تاون إلى توقُّع أي تدخُّلٍ من غيانا، التي كانت «جمهوريةً تعاونية» تحت قيادة حكومة تتجاهل بسرورٍ علامات العبادة الاستبدادية والمصابة بجنون الشك.

ومع ذلك، ففي الولايات المتحدة، كان آباء أفراد جونز تاون -الذين كانوا يشعرون بالقلق إزاء الخطابات الغريبة التي كانوا يتلقونها من أبنائهم أو عدم وصول أي خطاباتٍ إليهم- يضغطون على الحكومة الأميركية للتحقيق في الأمر.

وبعدما فازت أسرةٌ في الولايات المتحدة بأمر حضانة أحد أطفال جونز تاون، تصاعدت حالة جنون الشك. وأصبح مجتمع الكنيسة معسكراً مسلحاً يحيطه متطوعون مدجَّجون ببنادق وسواطير، مهددين بمحاربة الغرباء حتى الموت.

إذ قالت أنجيلا لهم آنذاك إنَّهم في طليعة الثورة، وأنَّهم مُحِقون في مقاومة «المؤامرة العميقة» ضدهم، على حد قولها.

وفي أثناء تلك الفترة، بدأ سكان جونز تاون إجراء تدريباتٍ تُدعى «الليالي البيضاء»، كانوا يتدربون فيها على الانتحار الجماعي.

وبناءً على طلبٍ من أفراد عائلاتهم القلقين في الولايات المتحدة، نظَّم عضو الكونغرس الأميركي ليو رايان وفداً من الصحافيين وأشخاصٍ آخرين للذهاب إلى جونز تاون من أجل تقصِّي الحقائق.

وبالفعل وصل الوفد إلى جونز تاون في 17 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1978، وتلقَّى استقبالاً لطيفاً من القس الأميركي جيم جونز ، لكنَّ الزيارة سرعان ما انتهت في اليوم التالي بعدما حاول أحد أعضاء مجتمع الكنيسة طعن رايان.

فعاد الوفد إلى المطار، بصحبة 12 شخصاً من السكان طلبوا مغادرة مجتمع الكنيسة، ورافقهم بعض نواب جونز اليقظين.

لكنَّ أعضاء الوفد لم يغادروا المنطقة، فبينما كانوا يستقلون الطائرات، أطلق مرافقوهم النيران عليهم. فأردوا رايان قتيلاً، وأطلقوا على جثته وابلاً من الرصاص لضمان موته، وقتلوا أربعة آخرين، من بينهم اثنان من المصورين صوَّرا الهجوم قبل مقتلهما.

ثم ركض الناجون الجرحى أو جرَّوا أنفسهم إلى الغابة وهم ينزفون. (يُذكر أنَّ جاكي سباير التي كانت إحدى معاونات رايان نَجَت من الموت بعد إصابتها بخمس طلقات نارية، وهي الآن عضوة في الكونغرس تمثل الدائرة الرابعة عشرة في ولاية كاليفورنيا).

فاصطفَّ أفراد جونز تاون، بعضهم مُتقبِّلاً الوضع بهدوء والآخرون مُرغمين على الأرجح، في طوابير لتلقِّي أكوابٍ من السيانيد ومحاقن. وقد سُمِّم الأطفال أولاً (تجاوز عددهم 300 طفل)، ويمكن سماع بكاء ونحيب على الأشرطة الصوتية الخاصة بالسكان، التي حصل عليها مكتب التحقيقات الفيدرالية لاحقاً.

واستيقظت امرأةٌ عجوز، كانت نائمة طوال هذه المحنة، لتكتشف أنَّ الجميع قد ماتوا. وعُثِر على جثة جونز مُصابةً بطلقٍ ناري يبدو أنَّه أطلقه على نفسه.

قال ريترمان إنَّه من المستحيل فصل مذهب معبد الشعوب الذي أسسه القس الأميركي جيم جونز عن سياقيها السياسي والاجتماعي. وذكر في كتابه: «كانت طائفة معبد الشعوب، مثل المجتمعات والطوائف الدينية والكنائس والحركات الاجتماعية، بديلاً للنظام الاجتماعي الراسخ، وأمَّةً قائمةً بذاتها.

فأفراد مجتمع معبد الشعوب الذي كنت أعرفه لم يكونوا مازوخيين ولا مغفلين، ومن ثَمَّ، فالأعضاء الذين قدَّموا سنواتٍ من العمل ومدخرات حياتهم ومنازلهم وأطفالهم، بل وحياتهم الخاصة في بعض الحالات، كانوا يحصلون على شيءٍ ما في المقابل».

وأضاف ريترمان أنَّه «كان يشعر باشمئزازٍ حين يقول الأشخاص الغرباء عن هذا المجتمع إنَّهم أو أطفالهم ما كان لهم أن يكونوا أبداً بهذا الضعف وتلك الحماقة لينضموا إلى مثل هذه الجماعة. وهذا الرضا عن الذات ما هو إلَّا خداعٌ لها».

عربي بوست

مدار الساعة ـ