مدار الساعة - قرر الأردن، منذ 1995، ربط عملته بالدولار الأمريكي في محاولة لدعم الاستقرار النقدي والمصرفي، وتعزيز الثقة بالدينار المحلي، وزيادة تنافسية الصادرات الوطنية وجذب الاستثمارات.
وربْطُ عملة بأخرى يعني تثبيت سعر العملة الأولى بالنسبة للثانية؛ ولهذا تسمى بسعر الصرف الثابت، والكثير من دول العالم تعتمد هذه الممارسة.
وفي حالة الدينار، هذا يعني أنه لا يمكن شراؤه أو بيعه إلا حسب السعر المقرر، ويجب أن يتدخل البنك المركزي الأردني بشكل مستمر، عبر شراء وبيع العملات، للحفاظ على سعر ثابت للدولار أمام الدينار وهو ٠.٧١ فلس لكل دولار.
وطوال السنوات الماضية نجحت هذه السياسة بالحفاظ على الاستقرار المصرفي في المملكة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة الخليجية، والحفاظ على معدل تضخم معتدل، وزيادة تنافسية الصادرات، وتعزيز قيمة الاحتياطات الأجنبية.
لكن بعد عقدين من الزمن بدأ اقتصاديون أردنيون يتحدثون عن ضرورة مراجعة سياسة ربط العملة المحلية بالدولار، وظهرت تساؤلات كثيرة ترتبط بالتكاليف التي تحملها الأردن والمكاسب التي حققها نتيجة لهذه السياسة، ومصير اقتصاده في حال فكِّ الارتباط بالعملة الأمريكية، والأسباب الموجبة لاستمرار هذا الارتباط.
وبين حين وآخر تترد شائعات في المملكة حول احتمالية اتجاه الحكومة لفك ارتباط الدينار بالدولار، لكن سرعان ما تنفي عمان ذلك، وتؤكد عدم وجود أية نية رسمية لديها لتغيير السياسة النقدية للدولة.
- استقرار مصرفي
وفي تقرير حديث للبنك المركزي الأردني اعتبر أن "نظام سعر الصرف الثابت للدينار مقابل الدولار أثبت أنه ما زال الأمثل للاقتصاد الأردني، ويشكل دعامة أساسية للاستقرار النقدي والمصرفي، ويلعب دوراً فاعلاً في تعزيز الثقة بالعملة المحلة، وزيادة تنافسية الصادرات الوطنية، فضلاً عن جذب الاستثمارات".
المستشار الاقتصادي المصري المقيم في الولايات المتحدة، محمود الفقي، قال: إن "السبب الرئيسي وراء ربط الدينار بالدولار كان المحافظة على استقراره وزيادة الثقة به من قبل المستثمرين المحليين والأجانب، وطمأنة المواطنين كذلك حتى لا يتهربوا من العملة المحلية نحو عملة أخرى أكثر ثباتاً".
وأضاف الفقي : "ربط سعر صرف الدينار بالدولار كان له دور مهم في تدفّق مدخرات واستثمارات المغتربين الأردنيين، والأردنيين العاملين في الدول المرتبطة عملاتها بسعر صرف الدولار (مثل دول الخليج)".
كما حقق هذا الربط، بحسب الفقي، تأثيرات إيجابية على الاقتصاد الأردني تتعلق بتدفق الاستثمارات الخليجية إلى البلاد.
ورأى أن ارتباط سعر صرف الدينار بالدولار أصبح من الرموز الأساسية للاستقرار النقدي الأردني، والحفاظ على معدل تضخم معتدل، وزيادة تنافسية الصادرات، وتعزيز قيمة الاحتياطات الأجنبية لدى المملكة.
ويعتقد المستشار الاقتصادي أن ربط الدينار بالدولار الأمريكي ساهم في دعم النمو الاقتصادي للمملكة؛ من خلال تعزيز أساسيات الاستقرار المالي والنقدي.
ورأى الفقي أن من النقاط الإيجابية للارتباط بين العملتين أنه عندما يرتفع سعر الدولار يرتفع تلقائياً سعر الدينار، وهو ما يسهم في ارتفاع قيمة الاستثمارات بالعملة الأردنية، وانخفاض أسعار السلع المستوردة، وخفض تكاليف العلاج والدراسة والسياحة في الخارج، إضافة لزيادة قيمة احتياطات البنك المركزي الأردني.
- تكاليف اقتصادية
لكن هذه المكاسب التي حققتها سياسة سعر الصرف الثابت يترتب عليها تكاليف اقتصادية تتحملها المملكة الأردنية، من أبرزها أنها جعلت قرارات السياسة النقدية الأردنية رهينة لقرارات البنك الفدرالي الأمريكي، بحسب المحلل الاقتصادي، سليمان العساف.
وقال العساف : إن "البنك المركزي الأردني يضطر لاتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة من حيث زيادتها أو تخفيضها تبعاً لقرارات الفدرالي الأمريكي، رغم أن ذلك لا يكون أحياناً في مصلحة الاقتصاد المحلي".
وأضاف أنه "في حال انخفاض سعر الدولار أمام العملات الأخرى سينخفض سعر الدينار تلقائياً، ما سيكبد البلاد خسائر كبيرة؛ لأن أسعار الواردات سترتفع".
وشدد على ضرورة إعادة تقييم سياسة ربط الدينار بالدولار، والوقوف على إيجابياتها وسلبياتها في آنٍ واحد.
- سيناريوهات فك الارتباط
وحول السيناريوهات المتوقعة في حال فك الارتباط بين الدينار والدولار، رأى العساف أن ذلك سيتسبب بخفض سعر صرف الدينار، ما سيسهم في ارتفاع مستوى التضخم.
وإضافة إلى ذلك فإن نسبة الفقر في الأردن ستزداد، مع ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، في حين سترتفع تكلفة الصناعات المحلية وستنخفض قدرتها على المنافسة، كما يتوقع العساف.
وأشار إلى أن "انخفاض قيمة العملة المحلية سيتسبب بارتفاع قيمة ديون الأردن الخارجية المسعَّرة بالدولار".
وأوضح أن القدرة الشرائية، خاصة للموظفين الحكوميين، ستنخفض بشكل كبير في حال عدم زيادة رواتبهم؛ متأثرة بارتفاع أسعار السلع والخدمات وانخفاض قيمة العملة.
من جانب آخر، فإن فك الارتباط بالدولار سيزيد من عدد السياح الوافدين إلى الأردن؛ بسبب هبوط سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية.
كما أن التحويلات المالية بالعملات الأجنبية التي يرسلها الأردنيون في الخارج إلى ذويهم ستدعم اقتصاد البلاد بشكل كبير، بحسب العساف.
- اقتصاد هش
ويعتقد المحلل الاقتصادي أن فك ارتباط العملتين "يجب أن تسبقه إصلاحات اقتصادية كبيرة، وأن تتحول المملكة لدولة مصدرة ومنتجة".
وحالياً يواجه اقتصاد الأردن تحديات قاسية تزداد وتيرتها سنوياً، متجسدة بارتفاع مستويات الفقر والبطالة والعجز في الموازنات، وانخفاض إيرادات البلاد، وارتفاع الدين العام ومعدلات الضرائب، وتكلفة إيواء 1.3 مليون لاجئ سوري.
ويبلغ الناتج الإجمالي المحلي للأردن 40.25 مليار دولار، في حين وصلت قيمة دينه العام إلى 36.2 مليار دولار.
وبلغ التضخم 3.5%، أما الموازنة العامة لعام 2018 فتوقعت تحقيق إيرادات قدرها نحو 12 مليار دولار، ونفقات تقدر بـ12.78 مليار دولار، وعجز موازنة بنسبة 1.8% من الناتج الإجمالي المحلي.
البطالة ارتفعت أيضاً إلى 18.5%، وتجاوزت نسبة الفقر الـ14%، أما الميزان التجاري فقد سجل عجزاً بقيمة 4.24 مليارات دولار.
الخليج اونلاين