يقال في الأمثال "الكلمة كالرصاصة"، أي لا يمكن إرجاعها إن خرجت، وكلمة الحكومة بخصوص خطتها للعامين المقبلين تخترق رصاصتها الآن حاجز الصوت، وترفرف بأجنحتها على ارتفاع منخفض فوق منزل كل أردني.
فبعد أن كشفت الستارة عن خطة الحكومة التي أعلنها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وتضمنت مشاريع نهضوية في البنية القانونية والاجتماعية والانتاجية من شأنها تحقيق النمو الذي يداعب مخيلتنا منذ سنوات، فإن الحكومة وضعت نفسها في اختبار أمام المواطنين. ويا له من اختبار لا تحمد عواقبه إن لم تحسّن من نتائجها فيه.
بداية لا بد من الإشادة بنجاح الحكومة بعرض أولويات الخطة بطريقة ممتازة، بعد أن التقت جميع القطاعات بهدف شرح الإطار العام لـ18 أولوية تضمنتها الخطة التي قدرت تكلفة تنفيذها بـ140 مليون دينار، قبل أن تعلنها رسميا بالتوازي مع تدفق للمعلومات بصورة انسيابية.
لكن شجرة المستقبل المتوقع جني ثمارها لم تتعد كونها بذرة غرست للتو في تراب، وسقيت ببضع قطرات من الماء، وتركها دون عناية ورعاية واهتمام ومتابعة كفيل بأن يتم دفنها وهي ما تزال في طور الجنين، وعندها لن نجد وريقات نستظل بظلها في يوم لا تتوانى فيه الحرارة عن الاشتداد بلا رأفة أو تهاون.
لسنا معنيين بأن نكون سلبيين تجاه الخطة، كما ليس لنا مصلحة في التشكيك بجدية الحكومة في تنفيذها، بقدر ما تكمن مصلحتنا كأردنيين في أن نرى منجزا على أرض الواقع، فحجم المشاريع التي تتضمنها، وأهميتها أمر لا يختلف عليه عاقلان اثنان.
وبغض النظر عن مدى قناعة أطراف المجتمع بما أعلنه الدكتور الرزاز، وبعيدا عن مخزون التشاؤم الشعبوي المتراكم نتيجة عدد كبير من الوعود التي أطلقتها الحكومات السابقة ولم نر منها أي شيء، إلا أن الحكومة الحالية ترقد الآن على محك حقيقي، وأمامها فرصة كبيرة لاستعادة جزء من الثقة المفقودة بين الناس والمؤسسات الرسمية، ولا يكون ذلك إلا بالعمل والإنجاز.
في المقابل، فإن فشل الحكومة في تنفيذ تعهداتها يعني أنها أطفأت بيديها آخر شمعة أمل في أن تبني جسورا من الثقة مع الشارع، والذي لا تعنيه العبارات المنمقة، بقدر ما يعنيه أن تنجح الحكومة في التصدي ولو لواحد من الملفات الشائكة التي تؤثر في معيشته، وأن تنجح أيضا في التخفيف من الحالة المعيشية التي بات الأردني يتحملها اليوم بسبب عجز جميع الحكومات عن التخطيط الاستراتيجي، والعجز عن التفكير التنموي السليم الذي ينظر إلى جميع أجزاء الوطن بشمولية وعدالة.
حسن إذن؛ المطلوب في المرحلة التالية هو وضع حد للتشكيك عبر انطلاقة حقيقية نحو التطبيق الفعلي لمحاور الخطة الثلاثة، وذلك من خلال العمل وفق استراتيجية تبنى على ميزانيات محددة، ومدد زمنية للتنفيذ، وخطط واضحة لعمليات المتابعة والتقييم، وأخيرا قياس أثر هذه المشاريع ومدى صوابية التفكير بها.
إلى جانب كل ذلك، لا بد للحكومة من تفعيل نظام المساءلة بحق كل وزير شملت أولويات الخطة القطاع الذي يشغله، بعد توفير جميع سبل التمويل والدعم لإنجاحه، مع حتمية الإعلان للرأي العام بين فترة وأخرى إلى أين وصل في تنفيذ ما تم تكليفه به.
لسان كل أردني الآن، وقد استسلم لحديث رئيس الوزراء، يقول "نريد أن نرى إنجازا.. فلتبدأوا بالعمل"!
الغد