مدار الساعة - باتت الأجهزة الذكية تسلب الأطفال من أهاليهم، وتشغل حيزاً كبيراً في حياتهم، وفي الأردن يعاني الأهل مما يصفونه بإدمان أطفالهم تلك الأجهزة.
تقول الأردنية أسماء محمد النعيمات، وهي أم لثلاثة أطفال؛ ولدين بعمر 11 و8، وبنت بعمر 4، إنّها لم تعد قادرة على السيطرة على أطفالها بخصوص استخدام الهواتف الذكية، مشيرة إلى أنّهم لا يملكون هواتف خاصة بهم، لكنهم يستخدمون هاتفها وهاتف والدهم. تشير إلى أنّ محاولة منعهم مهمة صعبة، موضحة: "كنا أحياناً نسمح لهم باستخدام الهاتف لمشاهدة أناشيد دينية، وأغان للأطفال، لكن بعد ذلك تحول الأمر إلى ما يشبه الإدمان". تتابع: "الآن، مع ازدياد الواجبات المدرسية، باتت الهواتف تؤثر سلباً على أدائهم، ولدينا تخوف كبير على صحتهم وخصوصاً عيونهم. المشكلة الكبرى أننا لم نعد نسيطر عليهم، وبتنا أحياناً نستخدم معهم أساليب الترهيب والترغيب للحدّ من تعلقهم بالهواتف".
أما ياسمين علي وهي أم لطفلين، هما أمير (13 عاماً) وأروى (11 عاماً)، فتقول إنها تحت الإلحاح والضغط اشترت مع زوجها هاتفاً لمحمد، وجهازاً لوحياً لأروى. توضح: "ليس ما نخشاه فقط كثرة الاستخدام، لكن نحاول أن نسيطر على طريقة الاستخدام والمحتوى، وخصوصاً أن هذا الجيل خطير ويستطيع استخدام التكنولوجيا أفضل منا، والوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي". تضيف: "للأسف، بالرغم من الجوانب الإيجابية، وأهمية التكنولوجيا في حياتنا، فقد أصبحت باباً لتسلل عادات وسلوكات سيئة، من دون قدرة لدينا على السيطرة عليها". تتابع: "أحياناً، نطلب من محمد خصوصاً، التخلي عن هاتفه الذكي، لكنه مباشرة يقارن نفسه بأصدقائه، ومن الواضح أنّ أغلب الأهالي يعانون المشكلة نفسها".
في هذا الإطار، تقول التربوية المتخصصة في مجال الإرشاد الاجتماعي والصحة النفسية نجوى حرز الله لـ"العربي الجديد"، إن هناك من الأهالي من يحاول التخلص من إزعاج أطفاله وطلباتهم بالوسيلة الأسهل، وهي الأجهزة الذكية تلك. تضيف أنّ من أكثر مشاكل الأجهزة الذكية، تعزيز السلوك الانعزالي للطفل الذي يمنعه من التفاعل الاجتماعي مع الآخرين سواء مع أقرانه أو أفراد أسرته، ما يمنعه إذاً من الحصول على المهارات الاجتماعية. تضيف: "كذلك، تساهم الأجهزة الذكية بالتأخر اللغوي عند الطفل، إذ يبقى متلقياً للرسائل فقط لغياب من يتحدث معه، وهو ما يؤدي إلى ظهور سلوكات جديدة مثل التأتأة التي تظهر عندما يطلب من الطفل بعض الأوامر ولا يستجيب لها، بل يصبح تركيزه على ما يشاهده لا على ما يطلب منه".
تتابع: "تؤدي الأجهزة الذكية إلى ظهور سلوكات مثل العنف، فبعض الأطفال يعتقد أن العنف الذي يشاهده هو السلوك الصحيح، لذلك يبدأ بالتقليد، إما لجذب الانتباه، أو لإظهار القوة، أو للحصول على ما يريد بالقوة. من ناحية أخرى، تتسبب الأجهزة الذكية أحياناً بعدم قدرة الطفل على إتقان مهارة الاتصال والتواصل وخصوصاً مع الوالدين، فلا يأخذ كلامهم على محمل الجد". وبحسب حرز الله، تساهم الأجهزة الذكية بالتأخر الدراسي، فما دام الطفل يشغل نفسه بالشاشات الذكية، فذلك كلّه مأخوذ من وقت الدراسة، التي تحتاج أحياناً إلى جهد أكثر، سواء من الطفل الذي يحتاج إلى تعلم مهارات دراسية جديدة، أو من الأهل الذين ينشغلون عن أطفالهم بأعمالهم.
تضيف: "يجب على الأهل أن يكونوا القدوة لأطفالهم"، مشيرة إلى أنّ "استخدام الأجهزة الذكية باستمرار أمام الأطفال يجعل من الأهل قدوة سلبية، فالنموذج القدوة، والتقليد، هما من أساليب تعليم الطفل السلوك الجيد". وتطالب الأهالي "بترك الأجهزة الذكية والتواصل جيداً مع الأطفال عند الوصول إلى منازلهم، حتى يشعر الأبناء بأنهم الأهم في حياتنا". كذلك، تؤكد ضرورة منح الوقت الكافي للأطفال ومساعدتهم في ممارسة الألعاب البدنية مثل الكرة، الدراجات، والألعاب اللوحية التقليدية كالسلم والثعبان، والشطرنج، والألعاب التي تحفز التفكير واستخدام المنطق، وأن يكون الأهل إلى جانب أطفالهم عند اللعب، حتى يثمّنوا قيمة اللعب والعمل الجماعي.
تدعو حرز الله إلى تشجيع الأطفال على الحياة الاجتماعية، والزيارات التي باتت مفقودة في الحياة العصرية، وهي من وجهة نظرها أهم المهارات التي يجب على الأهل تعليمها لأطفالهم، كزيارة الأجداد والأقارب والجيران. وتقول، إنّ على الأهل أن يكونوا صارمين مع أبنائهم في تحديد ما يصدر عنهم من سلوك، ومنعهم من استخدام الأجهزة الذكية وعدم التنازل مهما كانت ردة فعل الطفل. تضيف، أنّ طبيعة العلاقة المبنية على الصدق والحوار المفتوح بين الأهل وابنهم، تساعد كثيراً في مختلف مناحي الحياة، ولا بدّ للأهل من القيام بمجهود كبير لفتح هذه القنوات بين الأبناء.
كشف مسح استخدام تكنولوجيا المعلومات في المنازل في الأردن لعام 2016، الذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وشمل عيّنة من الأسر بلغت 3340 أسرة، أنّ 14.4 في المئة من الذكور و13.1 في المئة من الإناث، من الفئة العمرية 5 - 9 أعوام يستخدمون الإنترنت، كما أنّ 30 في المئة من الذكور و26 في المئة من الإناث من الفئة العمرية 10- 14 عاماً يستخدمون الإنترنت. العربي الجديد