بقلم: د. باسل باوزير استند هذا المقال التوثيقي إلى مجموعة من الوثائق والسجلات والمراجع. حيث يعود تاريخ بعض الوثائق إلى العام 1917م.
ويعتبر سجل المحاكم الشرعية أهمها، حيث وثق هذا السجل لحياة الناس الذين عاشوا بالأردن في تلك الفترة قبل إنشاء الدواوين والوزارات الحكومية.
ففي سجلات المحاكم الشرعية نجد معلومات غنية تتميز بالمصداقية والدقة والاستقصاء عن المتعاملين وانشطتهم المختلفة من بيع وشراء، وزواج وطلاق، والإرث، وحصر التركات من الأموال المنقولة وغير المنقولة، والوصاية، والنفقة، وتسجيل الاراضي والمنازل، والتأجير، والوكالة، وغيرها من المعاملات.
ومن خلال هذا السجل نجد أن هذه المعاملات يتم تضمينها الموطن الذي قدم منه الأطراف وبالتالي تمكنّا من حصر بعض أسماء العائلات اليمنية التي وفدت إلى الأردن في تلك الأيام وساهمت في صنع معالم يمنية في الأردن بقيت حتى يومنا هذا شاهدة على عمق الترابط القومي بين العرب.
- شاطئ اليمنية في مدينة العقبة ...
يقع هذا الشاطىء جنوب مدينة العقبة على بعد 10 كم منها. ويشار له في السجلات الادارية والعقارية الأردنية بمنطقة مرتفعات اليمنية التي تعتبر إحدى المناطق الفريدة بيئياً على شواطئ مدينة العقبة الغنية بالشعب المرجانية. حيث تتمتع المنطقة بإطلالة جميلة على البحر الأحمر.
وتشير الوثائق والسجلات بأن الوجود اليمني في العقبة يعود الى ما قبل سنة 1917 حيث توثق سجلات المحكمة الشرعية بالعقبة معاملات تخص عائلات يمنية منذ ذلك التاريخ.
فقد وفد العديد من أبناء اليمن طلبا للرزق في العقبة التي كانت تشهد نشاطاً تجارياً كبيراً في ذلك الزمان.
وقد ذكرت السجلات الشرعية العديد من اليمنيين الذين وفدوا للعقبة بغرض التجارة وكان منهم الشيخ عمر بن محمد باصغار الحضرمي الذي وصل العقبة سنة 1919 واشتغل بالتجارة حتى ذاع صيته بالمدينة.
ويذكر أستاذنا الكبير السفير عبدالرزاق محمد بن اسماعيل العمراني في كتابه الموسوم "اليمنيون في الأردن- التاريخ والملامح" عدد من الروايات حول سبب تسمية شاطئ اليمنية بهذا الاسم. فيقول:
أنه وأثناء حملة ابراهيم باشا من مصر على الجزيرة العربية، التحق بحملته عدد من اليمنيين، ووصلوا إلى العقبة كمكان للتجمع، فعسكر اليمنيون في هذا الشاطئ.
وقيل أيضاً، إن سبب التسمية جاء نسبة إلى اليمنيين الذين قدموا مع الثورة العربية الكبرى، فوصلوا من اليمن، والتقوا مع الشريف حسين في هذه المنطقة وعسكروا فيها وأقاموا بها.
(وقد وجدنا في سجل المحكمة الشرعية بالعقبة لسنة 1917 ما يؤكد وجود يمنيين بالعقبة قدموا للالتحاق بجيش الثورة العربية الكبرى).
كما قيل، أن التسمية قديمة جداً نسبة إلى التجار اليمنيين الذين كانوا يصلون إلى ميناء العقبة قادمين من الموانئ اليمنية ببضائعهم التي يتم نقلها إلى بلاد الشام.
ويرى الاستاذ العمراني أنه مهما اختلفت الروايات أو تعددت حول سبب التسمية وسببها إلا أن الشاطئ يعد شاهداً ومعلماً على التواجد اليمني في الأردن وأنه أحد البصمات التي خلدوها.
ويعد شاطئ ومرتفعات اليمنية اليوم "الذي مازال يحمل اسمه" من الأحياء المميزة ضمن منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة حيث يقع به العديد من المشاريع العقارية والسياحية والترفيهية.
- سوق اليمنية في عمان ...
يقع هذا السوق إلى الغرب من الجامع الحسيني في وسط البلد على يسار امتداد الشارع المتجه الى رأس العين المسمى بشارع الملك طلال، ويمتد السوق على مساحة دونمين تقريباً، وتعدُ فيه سبعون متجراً.
وتعود بدايات نشأة السوق الى سنة 1949 وبذلك يكون سوق اليمنية ثاني أقدم سوق في وسط البلد بعد سوق البخارية. وقد أسسه عدد من اليمنيين الذين تطوعوا للقتال في فلسطين سنة 1948، وبعد أن انتهت الحرب عادوا الى عمّان واستقروا فيها.
وتشير سجلات المحكمة الشرعية في عمّان أن اليمنيين استأجروا الأرض التي قامت عليها السوق من أحد الملاكين ويدعى وصفي ميرزا باشا، مقابل دينارين للمتر الواحد في السنة.
وكانت حوانيت السوق مصنوعة من الخشب واستغلها التجار لبيع الملابس المستعملة أو القديمة (البالة)، وفي سنة 1956 حدث حريق كبير في السوق أتى على حوانيت السوق الخشبية ومحتوياتها. فقام مالك السوق بإعادة بناءه من الاسمنت والحديد.
وتذكر سجلات المحكمة الشرعية بأن اوائل المستأجرين في السوق كانوا من التابعية اليمنية، عرف منهم: عبدالله اليماني، احمد العزامي، ناصر علي غازي، قاسم ناصر الرعيني، وصالح اليافعي.
ظل هذا السوق محتفظا باسمه الى وقتنا الحالي وتعلوه يافطة تحمل اسمه وتاريخ تأسيسه.
ويبقى سوق اليمنية شاهداً على بدايات نمو عمّان الاقتصادي ومساهمة اليمنيين الاوائل في النهضة الاقتصادية للأردن الحديث.