لا يختلف اثنان، ممن عرفوا معالي الأستاذ الدكتور عزمي محافظه وزير التربية والتعليم وزير التعليم العالي والبحث العلمي المستقيل، على أن الرجل يتمتع بخلق رفيع، أهم مظاهره الهدوء والتواضع الشديدين، وهاتان الصفتان تحولان من يتمتع بهما إلى رجل يحسن الاستماع، ومن ثم يحسن التفكير، ومن ثم فإنه إنسان يحسن اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب مما يحوله الى رجل عمل مؤسسي، يؤمن بروح الفريق، فكيف إذا اجتمعت كل هذه الصفات مع عقلية علمية كما هو الحال مع الأستاذ الدكتور عزمي محافظه، الذي يُجمع كل من تعامل معه على احتكامه للعقل وسلوكه المؤسسي، وحرصه على العمل بروح الفريق والمتابعة لأدق التفاصيل.
مناسبة هذا الكلام عن الأستاذ الدكتور عزمي محافظه، إقدامه على الاستقالة تحملاً للمسؤولية الأدبية والأخلاقية، في قضية لا يد له فيها، فأمام قدر الله الذي يأخذ شكل الكوارث الطبيعية لا تستطيع قوة في الأرض مهما بلغ شأنها أن تفعل شئياً، لكن رجلاً مثل الدكتور عزمي محافظه لا تغريه المناصب بقدر ما تقوده قناعاته الفكرية، فهو بالإضافة إلى مكانته العلمية كان في مطلع شبابه كادراً حزبياً تعود الإنصياع لقناعاته، لذلك اختار أن يغادر موقعه الوزاراي بشجاعة دون أن يتكىء على إعلان رئيس الوزراء أمام مجلس النواب أن حكومته تتحمل المسؤولية الأخلاقية والإدارية عن كارثة البحر الميت، ومن المعروف أن الحكومة هي جسم واحد متكافل متضامن كان الدكتور عزمي محافظه ومعه وزيرة السياحة لينا عناب مكونين من مكونات هذا الجسم، الذي يفترض أنه متكافل متضامن يتحمل مسؤولية ونتائج قراراته ومواقفه بالتساوي، سواء كان ذلك في حالة اتخاذه للقرار أي قرار, أو في حالة مواجهة كارثة طبيعية ككارثة البحر الميث التي مازالت مفاعيلها سارية بانتظار ما ستسفر عنه لجان التحقيق.
وعلى ذكر لجان التحقيق التي يحتاج عددها الكبير إلى وقفة تأمل ومراجعة في دلالات هذا العدد من اللجان، وحتى يتم ذلك لابد من الإشارة إلى سلوك حضاري آخر سلكه الدكتور عزمي المحافظه، عندما التزم الصمت عائداً إلى مختبره وجامعته، حيث يستريح من عناء العمل الحكومي متفرغاً لعمله وأبحاثه، وهذا السلوك يتمثل في أن الرجل لم يفعل كما يفعل بعض الذين يدعون أنهم رجال دولة، حتى إذا أصيبت مصالحهم الشخصية ارتدوا إلى عصبياتهم العشائرية، واحتموا بها في مواجهة قرارات الدولة التي تمس مصالحهم الشخصية وهو أمر لم يفعله الدكتور محافظه، وفوق ذلك فإنه ترفع عن الرد على كل الإساءات الشخصية التي استهدفته حتى من بعض الأكاديميين بغير وجه حق، مما يجعلنا نقول أن الأستاذ الدكتور عزمي محافظه لم يخسر شيئاً، فقد عاد إلى مسيرته الأولى عالماً وطبيباً مميزاً يحترم نفسه وعلمه، ولكننا نحن الذين خسرنا مسؤولاً خلوقاً يؤمن بالمؤسسية ويمارس المسؤولية الأخلاقية ولو كان منفرداً. الرأي
Bilal.tall@yahoo.com