انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة شهادة جاهات واعراس الموقف مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

انطباعات حول الصين

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/02 الساعة 22:03
حجم الخط

بقلم: بشير عبدالحافظ داود


في ضوء زيارتي للصين /مقاطعة نينغشيا في دورة تدريبية في مجال مكافحة التصحر في الدول العربية , تكون لدي الكثير من الملاحظات والانطباعات حول هذا البلد الكبير والعملاق اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً.
وسأقسم هذا الموضوع إلى عدة محاور وهي :
1-المجتمع الصيني
2-التنظيم والعمران
3-البيئة والمناخ
4-القوانين والسياسات الحكومية
5-التاريخ والآثار

أولا_ المجتمع الصيني

أ-التعامل مع الأجانب :

لاحظنا أن المجتمع الصيني في معظمه – خاصة في المناطق البعيدة عن العاصمة والمدن التجارية الكبرى- يميل الى البساطة والودية مع الأجانب والإحترام لهم. فهم ينظرون إلى الأجانب بإستغراب نظراً لشكلهم المختلف عنهم. والصينيون في الغالب لا يتقنون أي لغة اخرى غير الصينية, لذا يصعب التفاهم معهم, وفي معظم الأحيان تضطر لإستخدام لغة الإشارة معهم لإيصال ما تريد من معلومة اليهم. فتجدهم ينظرون لبعضهم وهم يتضاحكون عندما يتحدثون مع أجانب من غير بني جلدتهم ويحاولون تقليد طريقة كلامهم من باب الإستغراب, والقلة من أصحاب الاختصاص من يتحدثون لغات اجنبية, واللغة العربية لها حصة الأسد في مقاطعة نينغشيا التي زرناها .والبائعون غالباً ما يخفضون الأسعار ليرضوا الزبون الأجنبي ولو اضطروا للبيع بسعر قليل من باب الودية مع الأجانب وكسب صداقتهم. كذلك فإن المسؤولين في العموم يمتازون بالتواضع.
وقد لاحظت أنه حتى موظفي الإستقبال في الفنادق التي مكثنا بها لا يتقنون الإنجليزية أو أي لغة اخرى غير الصينية.

ب- المسلمون في الصين :

هم أقلية نسبياً بالمقارنة مع المجتمع الصيني الضخم ويتميزون بلبس الطواقي في الغالب,إلا أن معظمهم لا يتقنون أداء الشعائر الدينية أو يؤدونها بشكل خاطئ نظراً للبعد وعدم الخلطة بالمسلمين خارجاً وقلة تلقي العلوم الشرعية ومحدودية مصادرها لديهم. لكنهم يتميزون بحبهم للعرب وتقربهم لهم وفرحهم بالسلام عليهم والتحدث معهم.ومقاطعة نينغشيا التي زرناها تمتاز بنسبتها العالية من المسلمين (حوالي 40%) ومعظمهم من قومية (هو وي).

ج-احترام القوانين والإنضباط :

يتميز المجتمع الصيني في الغالب باحترام القوانين وعدم المخالفة والنظافة العامة والمحافظة على الأملاك العامة وعدم العبث بها أو تخريبها. كما يتميز السائقون باحترام قوانين السير والإلتزام بقواعدها وآدابها, ويبدو أن السبب يعود إلى الوازع الداخلي بحيث ترسخت كثقافة وسلوك حضاري ونظام عام يسير عليه المواطن والغريب . مع ميزة كثرة الكاميرات المزروعة في الشوارع والتي تراقب كل شاردة وواردة بشكل احترافي ويغطي كل المناطق المكشوفة.

د-الطبقية في المجتمع:

رغم النظام الاشتراكي المطبق في الصين إلا أننا لاحظنا وجود فروقات طبقية, حيث توجد طبقة رأسمالية قوية تمثل الأقلية وطبقة موظفين أو عمال متوسطة أو فقيرة. كذلك يوجد طبقة فلاحين يغلب عليهم الفقر, كما لاحظنا ظاهرة المتسولين في الشوارع والبائعين المتجولين خاصة من الشباب والفتيات اليافعين.
كما أن المقاطعات الجنوبية والشرقية الغنية- حيث الصناعة والتجارة مزدهرة- تتميز بغلاء المعيشة ومضاعفة الضرائب بالمقارنة مع المقاطعات الشمالية والغربية الفقيرة نسبياً –والمعتمدة غالباً على الزراعة-. وحتى الرواتب الحكومية تكون مضاعفة في العاصمة والمدن الجنوبية بالمقارنه مع الشمال والغرب. كذلك أسعار الشقق في العاصمة والمدن الكبرى الجنوبية تكون أعلى أحياناً بعشر أضعاف مثيلاتها في المدن الاخرى.

ه-أصناف الأطعمة السائدة :

هناك ذوق صيني فريد بامتياز, وهو في الغالب غير مستساغ لغير الصينيين, فهم نادراً ما يتناولون الخبز, ويركزون على الطعام المسلوق , وحتى السمك يتم سلقه, وكذلك معظم أنواع الخضار والأعشاب البحرية والروبيان والجمبري. وأحياناً تجدهم يضيفون على السمك سكر ليصبح حلو المذاق. لذلك فإن نسبة كبيرة من أطعمتهم غير مستساغه بالنسبة لنا, كما أن لدى المطاعم عادة تقديم الأطعمة على مراحل وليس مرة واحدة, فربما تكون قد وصلت مرحلة الشبع من الأصناف المقدمة أولاً وتكف عن الأكل ثم تفاجأ بإحضار صنف جديد على المائدة لم يكن محسوباً له حساب في معدتك. كما أن لديهم عادة تقديم الماء الساخن مع أو بعد الغداء, ونادراً ما يقدم الماء البارد مع الطعام.

و-الأدوية المتداولة :

معظم الأدوية الموجودة في الصيدليات هي من مستخلصات الأعشاب, فهم يهتمون جداً بالأعشاب الطبية ولها سوق رائج ومربح في الصين ونادراً ما تجد شخصاً يعاني من السمنة أو أمراض القلب ربما بسبب طبيعة نظامهم الغذائي الفريد.

ز-استخدام الدراجات النارية والهوائية:

يكثر استخدام الدراجات بكافة أشكالها وكذلك العربات الصغيرة (ذات الثلاث عجلات), ويستخدمها كافة طبقات المجتمع ومن الجنسين ومن كافة الأعمار, ويعود ذلك الى وجود ثقافة مجتمعية تسمح بذلك كذلك طبيعة المدن السهلية وعدم وجود طرق وعرة بالإضافة الى وجود مسارب مخصصه لهذه الوسائل على جوانب الطرقات في الغالب, وهذا بطبيعة الحال يحد من أزمة السير المتوقعة في حال استخدام الجميع للسيارات العادية في التنقل.

ثانياً-التنظيم العمراني :

تمتاز المدن الصينية بالتخطيط العصري الحديث حيث الشوارع العريضة ذات المساربالكثيرة, بالاضافة الى المسرب المخصص للدراجات والعربات الصغيرة, كما يوجد مسرب أخير للباص السريع في الغالب. كما تمتاز الشوارع بكثرة الكاميرات, كذلك يتم تصوير أرقام السيارات كل مسافة معينة على الطرق الخارجية لغايات التتبع على ما يبدو.

وتمتاز الإسكانات بضخامتها وتوسعها العمودي أكثر من الافقي, فتجد عشرات أو مئات المباني في منطقة محددة وبارتفاع يصل 40 طابق للبناية الواحدة, ويبدو أن الهدف هو المحافظة على الرقعة الزراعية ومنع تناقصها بفعل التمدد العمراني. وحتى في المناطق الريفية فقد لاحظنا أن السكان يقطنون في منطقة واحدة مخصصة للبناء بينما باقي المناطق مخصصة للزراعة بأنواعها المختلفة دون السماح بالتمدد العمراني فيها.
وقد لاحظنا التوزيع الجيد للمساحات الخضراء والتوازن ما بين العمران والإخضرار وأماكن الترفيه والإستجمام ((city within a park , كماتتميز الطرق غالباً بالتشجير الكثيف على شكل أحزمة خضراء كثيفة.
وتمتاز الشوارع غالباً بقلة الازدحام رغم عدد السكان الهائل وهذا يعود الى سعتها وكثرة المسارب فيها.

ثالثاً- البيئة والمناخ :

تمتاز الصين على العموم بجمال الطبيعة وكثرة الأنهار ومصادر المياه, فلديهم نهر يانغ زو وهو من أطول الأنهار في العالم, والنهر الأصفر الذي يمر في المناطق الرملية الشمالية, كما أن معدل الأمطار مرتفع لديهم خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية.
وهم يهتمون اهتماماً بالغاً بالبيئة, فتجد الأشجار والشجيرات والحدائق تغزوا المدن الرئيسية بحيث أنك تتخيل نفسك تسير في غابة أو في حديقة ضخمة مليئة بأنواع الأشجار والشجيرات والأعشاب.
كما أن لهم جهوداً جبارة في مجال مكافحة آثار التغير المناخي واستعادة الغطاء النباتي في المناطق الجرداء, بالإضافة الى انهم يهتمون بمسألة الأمن الغذائي وتوفير المحاصيل الإستراتيجية للسكان بقدر اهتمامهم بالتقدم الصناعي والتكنولوجي.
كما يلاحظ حرصهم الشديد على الأراضي الزراعية وعدم السماح بتدهورها أو تصحرها, وتشاهد كثيراً ظاهرة الطرق المرتفعة على شكل جسور والممتده بضعة كيلو مترات أحياناً فزق الأراضي الزراعية لمنع قضم الأراضي الزراعية بإحلال الشوارع مكانها, كما تجد أنه حتى في المناطق الريفية هناك تجمعات سكنية محدده بحيث يمنع البناء خارجها, كما أن البنايات السكنية تمتاز بالتوسع العمودي دون الافقي, بحيث قد يصل ارتفاع العمارة السكنية إلى أكثر من 40 طابق أحياناً لتتسع أكبر عدد ممكن من السكان في أقل مساحة ممكنة.

رابعاً-القوانين والسياسات الحكومية :

الصين دولة ذات نظام اشتراكي مبعنى أنه لا يوجد ملكية خاصة, فجميع الموارد هي ملك للدولة, حتى الشقق السكنية لا يتم تمليكها لأصحابها وإنما يستعملونها بموجب عقد ايجار . كما أن هناك قيوداً كبيرة على موضوع تصريف العملة أو تحويل المبالغ من وإلى الصين, فهم غالباً لا يتعاملون بعملة أجنبية اخرى باستثناء الدولار واليورو, كما أن الشخص الذي يرغب بالتصريف ينبغي أن يكون مواطناً صينياً يحمل رقماً وطنياً, وهذه القيود تتناقض مع كون الصين القوة الاقتصادية الثانية على مستوى العالم وتحد من تدفق الأموال منها وإليها.
وللحد من تزايد السكان في الصين فقد فرضت الدولة على كل عائلة أن لا تنجب سوى فرداً واحداً فقط باستثناء المناطق الريفية وبعض الأقليات حيث سمحوا بإنجاب أكثر من فرد.وهذا النظام ظل مطبقاً لأكثر من ثلاثين عاماً مما أدى الى ثبات عدد السكان تقريباً وتناقص أعداد شريحة الشباب وارتفاع شريحة كبار السن.أما في السنوات الأخيرة فقد سمحت السلطات للعائلات بإنجاب فردين فقط كحد أقصى , وذلك لتعويض النقص في القوى العاملة الشابة.
طبعاً في الصين وكما هو معلوم لا يوجد أحزاب سياسية أو معارضة سياسية منظمة وعلنية, ويكتفى فقط بالحزب الشيوعي الحاكم والمهيمن على كل مناحي الحياة السياسية في الصين, وهو بمثابة البرلمان للدولة الصينية, ويلتزم أفراده بتعليمات القيادة بكل حذافيرها.
والمجتمع الصيني في الغالب مسالم وملتزم بالقوانين والأنظمة كثقافة عامة, ويخشى سطوة الدولة ولا يأبه كثيراً بالامور السياسيه وما يجري في العالم حوله إلا بالمقدار الذي تريده الدولة فقط.


خامساً-التاريخ والآثار:

للصين تاريخ زاخر بالحضارات والآثار التي تمتد لأكثر من اربعة آلاف سنه, وعنده الكثير من الشواهد والآثار التي تدلل على ذلك. وتمتاز الآثار الصينية بجمالها واتقان بنائها, واهتمام الحكومه الصينية بالمحافظة عليها وصيانتها وتسويقها سياحياً, رغم أن الكثير منها قد تم حرقه او هدمه عبر العصور المختلفة وحتى في العصر الحديث وفي بداية الثورة الشيوعية كان هناك اهمال وتخريب وهدم للكثير من آثار ملوك واباطرة الصين القدماء, إلا أن السلطات تداركت الأمر فيما بعد وأعادت بناء الكثير من الآثار القديمة المهدومه وبنفس الأحجار وبالكيفية التي كانت عليها من قبل.

وكما هو معلوم فإن أهم الآثار التاريخية المعروفة في الصين هو سور الصين العظيم ومقبرة الجنود بالإضافة الى الكثير من القلاع والحصون والقصور المعروفة.

كما يوجد في الصين الكثير من المتاحف التاريخية التي تحتفظ بداخلها بالكثير من القطع التاريخية النفيسه الشاهدة على تاريخ الصين الزاخر.

وقد اثار انتباهنا كثرة أعداد الزوار لهذه المتاحف والأماكن الأثرية من الصينيين أنفسهم في العموم, مع أن أغلب هذه الأماكن تفرض رسوم دخول على الزوار من المواطنين أو الأجانب على السواء.

وبهذا القدر أكتفي آملاً أن أكون قد سلطت الضوء على معظم الجوانب المهمة في هذا البلد الكبير والمتقدم في هذا المقال المتواضع.

مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/02 الساعة 22:03